أنتلجنسيا المغرب: فهد الباهي/م.إيطاليا
رغم المسار العلمي والرياضي الكبير الفريد
للدكتور "مراد العميري"، أستاذ الفيزياء بجامعة بروكسيل وحامل الحزام
الخامس في فن التانغ سو دو، يجد نفسه مُغيبًا قسرًا عن الساحة الرياضية الوطنية، حالة العميري تفضح، دون مواربة، واقعًا مريرًا تتكرر فيه فصول التهميش المنظم
للكفاءات المغربية المقيمة بالخارج، وتكشف كيف أصبحت مؤسساتنا تُدير ملفات الرياضة
بمنطق الإقصاء لا الاحتضان، وبمنطق الشللية لا الاستحقاق.
ما بين بلجيكا وكوريا والولايات المتحدة، راكم العميري تجربة نادرة قل نظيرها، تلقى تكوينه على يد عمالقة هذا الفن القتالي، وتم اعتماده دوليًا من طرف KJN H.C. Hwang، الوريث الشرعي لمؤسس التانغ سو دو العالمي، حضور العميري في أكثر من 25 تدريبًا دوليًا و10 دورات استاذية، كل منها يمتد أسبوعًا كاملًا تحت إشراف مباشر من كبار الماسترز، يضعه في مصاف المرجعيات النادرة التي من شأنها أن ترفع من كفاءة أي منظومة رياضية وطنية، لو كانت لدينا منظومة فعلًا تؤمن بالكفاءة.
لكن، ويا للمفارقة، حين بادر الدكتور "العميري"
بمدّ اليد إلى وطنه، وعرض مشاركة خبراته في الملتقيات الوطنية المغربية، جوبه بصمت
ثقيل من رئيس الاتحاد المغربي للتانغ سو دو، لا رد، لا توضيح، لا اعتذار، لا حتى
تواصل شكلي. وكأنّ صوتًا غير مسموع خرج من ظلمة النسيان ليطرق أبواب مغلقة سلفًا،
هذا التجاهل المهين ليس إلا مرآةً لثقافة رياضية لا تزال تئن تحت وطأة الحسابات
الضيقة، والولاءات القبلية، وأمزجة المتحكمين.
ما فعله العميري بعد ذلك، رسالة وطنية
بامتياز.
لم يصمت، بل خاطب الضمائر الحية،
وناشد الأساتذة الراغبين في المشاركة في دورة أكتوبر بمراكش أن يرفضوا منطق الإقصاء
ويطالبوا بالعدالة الرياضية، دعوته لم تكن تمردًا، بل نداءً وطنيًا ينبض بروح
الانتماء، مطالبًا الجامعة الملكية بكشف أسباب إقصائه للرأي العام، في خطوة تُجسد
معنى الشفافية والحق في المساءلة داخل الحقل الرياضي المغربي.
لكن ما يُخيف فعلًا، ليس فقط ضياع
فرصة الاستفادة من كفاءة بحجم الدكتور العميري، بل التمادي في هذا النهج الذي
يُقصي أبناء الوطن لمجرد أنهم لا ينتمون إلى "الدوائر المقربة"، كيف
يُعقل أن نخسر طاقات صقلتها المدارس الدولية، في حين لا نزال نشتكي ضعف التأطير
والتكوين؟
كيف نقبل بتعطيل الارتقاء الرياضي تحت
ذريعة "لا أحد فوق التعليمات"؟ هذا الإقصاء هو نزيف يومي، يُهدر موارد
بشرية وطنية لا تُقدر بثمن.
قضية الدكتور العميري ليست حالة
فردية، بل مثال حيّ على أزمة بنيوية تعاني منها مؤسساتنا الرياضية. آن الأوان
لإعادة ترتيب الأولويات، وفرض معايير الشفافية والجدارة، بعيدًا عن منطق المصالح
الفئوية، لا بد من فتح نقاش وطني جاد حول كيف تُدار الكفاءات، ومن يمنح نفسه سلطة
الإقصاء من دون محاسبة، ولمصلحة من يُقصى العلماء والخبراء ويُكرم المجهولون عديمو
الكفاءة.
ما لم تُراجع المؤسسات الرياضية
المغربية سياساتها وتُنصت لأصوات الكفاءة الحقيقية، سيبقى الوطن ينزف طاقاته نحو
الخارج، في الوقت الذي يستنجد فيه الداخل بمبادرات ترقيعية لا تصمد أمام أول
اختبار، مراد العميري ليس فقط قصة ظلم فردي، بل مرآة مؤلمة لنظام رياضي مأزوم،
يحتاج إلى جراحة جذرية، لا إلى مسكنات مؤقتة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك