أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
في خطوة توصف بالتحول الجذري في مسار تدبير القطاع العمومي، كشف عبد اللطيف زغنون، المدير العام للوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات والمقاولات العمومية، عن معالم مشروع كبير لإعادة هيكلة حكامة هذا القطاع الحيوي، من خلال رؤية متكاملة تروم جعل الدولة مساهمًا استراتيجيًا ومسؤولًا، لا مجرد مراقب على الهامش.
جاء ذلك خلال ندوة رفيعة المستوى نظمت بالرباط، بمشاركة وزارة الاقتصاد والمالية ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وبحضور مسؤولين حكوميين وممثلين عن مؤسسات عمومية وفاعلين دوليين وخبراء في الحوكمة والإدارة العمومية.
من التدبير التقليدي إلى الحكامة الذكية
أكد زغنون أن المغرب يعيش مرحلة جديدة تقوم على ترسيخ حكامة عصرية، حيث لم يعد الهدف مجرد تحسين التدبير، بل إعادة صياغة الأدوار، وضبط العلاقة بين الدولة كمساهم استراتيجي ومؤسساتها العمومية من خلال ثقافة النجاعة وربط المسؤولية بالمحاسبة، عبر منظومة حديثة تُراعى فيها أعلى المعايير الدولية.
وأوضح أن الوكالة منذ تأسيسها تضطلع بدور محوري في تعزيز أداء المؤسسات العمومية من خلال المراقبة الفعالة، وتقييم الإنجاز، والمساهمة في تحديد التوجهات الاستراتيجية، مضيفًا أن هذا التغيير ليس إصلاحًا تقنيًا فحسب، بل تصور شمولي يستهدف بناء نموذج تنموي جديد قوامه الشفافية، والمسؤولية، والاستدامة.
معايير دولية بخريطة مغربية
في مداخلة لافتة، أشار زغنون إلى أن اعتماد الخطوط التوجيهية المحينة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية يمثل نقلة نوعية للقطاع العمومي المغربي، إذ تمنح هذه التوجيهات إطارًا مرجعيًا معترفًا به دوليًا يساعد المغرب في مطابقة ممارساته مع أفضل التجارب العالمية.
واعتبر أن التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في التبني النظري لهذه المعايير، بل في القدرة على تنزيلها عمليًا على مستوى كل مؤسسة عمومية، مما يتطلب إرادة سياسية قوية، وكفاءات بشرية مؤهلة، وأدوات تقييم دقيقة.
وسم “GUIDE”.. من الرؤية إلى التفعيل
في إطار هذه الدينامية الإصلاحية، أعلنت الوكالة عن إطلاق وسـم وطني جديد يحمل اسم “GUIDE”، وهو أول تصنيف مغربي من نوعه يُعنى بالحكامة الجيدة في المؤسسات العمومية، ويستند إلى مقاييس مستوحاة من المعايير الدولية، ليصبح بمثابة شهادة جودة في التدبير العمومي.
ويهدف الوسم إلى تحفيز المؤسسات العمومية على الانخراط الطوعي في مسار التميز، وتعزيز ثقافة التحسين المستمر، والانفتاح على مناهج التدبير الحديثة، بما يجعل من المؤسسات العمومية رافعة حقيقية للتنمية وليس عبئًا على الدولة.
خارطة طريق برعاية ملكية
أبرز زغنون أن الإصلاح الجاري يستند إلى توجيهات استراتيجية تم اعتمادها في مجلس وزاري ترأسه الملك محمد السادس في يونيو 2024، والتي وضعت نصب أعينها بناء دولة مساهمة مسؤولة وشفافة، تتدخل بشكل استراتيجي لتوجيه السياسات العمومية بدل التسيير المباشر للمؤسسات.
وفي هذا السياق، تعمل الوكالة على إعادة تأهيل الهيئات التداولية، وتعزيز المراقبة الداخلية، وتعميم الافتحاص، ومواكبة تكوين الأطر، إضافة إلى رقمنة آليات الحكامة لتعزيز الشفافية والنجاعة.
تحالف بين الدولة والمؤسسات العمومية
اعتبر المشاركون في الندوة أن هذا المسار لا يخص فقط المؤسسات الحكومية، بل يشكل فرصة استراتيجية لتجديد العلاقة بين الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص، في أفق بناء اقتصاد وطني قائم على الحكامة والفعالية والابتكار.
ويرى عدد من المتتبعين أن ما يحدث اليوم ليس مجرد تحديث إداري، بل "ثورة صامتة" في بنية الدولة الاقتصادية، تهدف إلى تحرير الطاقات ورفع كفاءة الأداء العمومي، وإعادة الثقة في المؤسسات، لا سيما في سياق دولي دقيق يتطلب من الحكومات العمل بأقصى درجات النجاعة والشفافية.
خلاصة القول، بهذا الإعلان، تدخل الوكالة الوطنية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع نجاعة أداء المؤسسات العمومية مرحلة حاسمة من الإصلاح، في انتظار أن تظهر النتائج على أرض الواقع، ويترسخ نموذج الحكامة الجديدة كممارسة يومية في مختلف مؤسسات الدولة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك