أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
تصريحات فاتح ماي تعيد العدالة والتنمية إلى واجهة النقاش السياسي
فاجأ الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، عبد الإله بنكيران، الرأي العام خلال كلمته بمناسبة تخليد فاتح ماي 2025، بخطاب حماسي حمل لهجة نقدية لاذعة تجاه الحكومة الحالية التي يقودها عزيز أخنوش، وفتح الباب واسعًا أمام تكهنات حول مستقبل الانتخابات التشريعية المرتقبة في 2026، بل وأثار نقاشاً صاخباً حول مدى استعداد "البيجيدي" للعودة إلى صدارة المشهد السياسي.
بنكيران، الذي لطالما عُرف بخطبه الشعبوية القوية، لم يتردد في وصف الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية بـ"الكارثية"، منتقدًا ارتفاع الأسعار، وتراجع القدرة الشرائية، وتنامي الإحباط وسط فئات واسعة من الشعب المغربي. لكنه في الوقت ذاته، بعث برسائل مشفرة إلى خصومه السياسيين مفادها أن حزب العدالة والتنمية "مازال حيًّا" وقادرًا على العودة.
صدى سياسي واسع وتباين في الردود
تصريحات بنكيران خلقت جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية، حيث انقسمت الآراء بين من يعتبرها بداية تعبئة سياسية مبكرة تهدف لاستعادة ما فقده الحزب بعد نكسة انتخابات 2021، وبين من يراها مجرد محاولة "استفزازية" لصناعة الحدث وسط فتور سياسي عام، في ظل تفوق واضح لتحالف أخنوش الثلاثي المكون من التجمع الوطني للأحرار، وحزب الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال.
بعض المراقبين اعتبروا خطاب بنكيران بمثابة اختبار مبكر لنوايا الشارع المغربي، خصوصاً في ظل حالة من التذمر الشعبي من الأداء الحكومي الحالي، بينما ذهب آخرون إلى التأكيد على أن المواطن المغربي أصبح أكثر وعياً ولن ينخدع بـ"خطابات شعبوية" سبق أن جُربت وفشلت، في إشارة إلى مرحلة قيادة العدالة والتنمية للحكومة بين 2011 و2021.
هل يستعيد "البيجيدي" زخمه الانتخابي؟
رغم الكبوة القاسية التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات السابقة، حيث فقد غالبية مقاعده البرلمانية، إلا أن عودته التدريجية إلى التفاعل الميداني عبر تنظيم لقاءات حزبية وإصدار مواقف سياسية من القضايا الراهنة، تشير إلى رغبة واضحة في استعادة الزخم الشعبي، ولو تدريجياً.
غير أن التحدي الأكبر أمام الحزب يبقى في إقناع الناخب المغربي بأنه تغيّر فعلاً، وتجاوز أخطاء الماضي، وقادر على تقديم بدائل واقعية في ظرفية اقتصادية واجتماعية خانقة. ويرى محللون أن قيادة بنكيران للحزب قد تكون عاملاً محفزًا لجذب قواعد الحزب التقليدية، لكنها في الوقت نفسه قد تشكل عائقًا أمام توسيع قاعدة التصويت، نظراً للصورة التي رسّختها تجربته الحكومية في أذهان شريحة واسعة من الناخبين.
تحالف أخنوش: هيمنة مستمرة أم تراجع محتمل؟
في الضفة الأخرى، يظهر التحالف الحكومي الحالي بقيادة عزيز أخنوش أكثر ثقة، رغم الانتقادات الموجهة إليه بسبب غلاء المعيشة وتأخر تنزيل بعض الوعود الانتخابية. فالمعطيات السياسية والمالية، وتماسك الأغلبية، وغياب معارضة برلمانية قوية، تجعل من استمرار التحالف في قيادة الحكومة إلى غاية 2026، بل وتجديد ولايته، أمراً وارداً بل راجحاً.
ويرى محللون أن حزب التجمع الوطني للأحرار ما زال يحتفظ بآلة انتخابية قوية، خاصة على مستوى الجماعات والجهات، كما أن تحالفه الثلاثي مع "البام" و"الاستقلال" يعطيه قاعدة برلمانية وشعبية متماسكة، خصوصًا إذا استمر ضعف المعارضة وعدم قدرتها على التنسيق الفعّال.
انتخابات 2026... هل تكون مختلفة؟
تُطرح تساؤلات كبرى حول الشكل الذي ستكون عليه انتخابات 2026، وهل ستعيد رسم خريطة سياسية جديدة، أم أنها ستكرّس منطق الاستمرارية؟ فالمواطن المغربي يبدو أكثر تشككًا، وأقل إقبالاً على المشاركة، في ظل شعور عام بالإحباط وغياب ثقة في المؤسسات السياسية، ما قد يجعل الكتلة الصامتة مرة أخرى هي من تحسم النتيجة.
ويرجّح متتبعون أن تكون نسبة المشاركة عاملاً حاسمًا في إعادة ترتيب الأحزاب، حيث أن ارتفاعها قد يصب في صالح المعارضة، فيما أن تدنيها من شأنه أن يكرّس هيمنة الأحزاب المتحكمة في المجالس المحلية والجهوية.
في النهاية... صراع صامت على المستقبل
الجدل الذي أثارته تصريحات بنكيران يعكس صراعاً صامتاً بدأ مبكراً حول من سيقود المغرب في المرحلة المقبلة. فهل يعيد "البيجيدي" ترتيب أوراقه ويقنع المغاربة بقدرته على العودة؟ أم أن التحالف الحكومي الحالي سيواصل بسط سيطرته على المشهد السياسي؟
الأسابيع المقبلة، وخصوصاً سنة 2026، ستكون كفيلة بالكشف عن حقيقة المزاج السياسي للناخب المغربي، وهل هو مستعد لتجريب نفس الوجوه، أم أنه يبحث عن بدائل جديدة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك