أنتلجنسيا المغرب:هلال الأحمدي
رغم أن المغرب يمر بأوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، اختار الشارع النقابي أن يحتفل بفاتح ماي 2025 بصوت خافت، وسط غياب شبه تام للحشود الجماهيرية في معظم المدن، وضعف واضح في الشعارات والرسائل المرفوعة، مما يطرح أكثر من علامة استفهام: هل نحن أمام تعبئة نقابية فقدت زخمها أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟
عيد بدون نكهة... وساحات شبه فارغة
حل فاتح ماي هذا العام على المغرب في سياق اقتصادي متأزم: القدرة الشرائية في تراجع مستمر، والبطالة في صفوف الشباب والخريجين تتسع، والأسعار تواصل التحليق دون سقف، والطبقة الوسطى تئن. ومع ذلك، خلت أغلب الساحات التي اعتادت أن تكون مسرحًا للاحتجاجات النقابية من الحشود. في الدار البيضاء، الرباط، فاس، مراكش، طنجة، مدن كثيرة شهدت وقفات محتشمة، تكاد تخلو من نبض الشارع، وافتقرت للرسائل القوية التي طالما ميزت العيد الأممي للعمال.
توافقات غير معلنة أم نهاية زمن الصراخ؟
يرى متتبعون أن هذا الخفوت غير المعتاد في الصوت النقابي قد يكون نتيجة "تفاهمات تحت الطاولة" بين الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية، التي اكتفت بخطابات دبلوماسية وخرجات رمزية. التساؤلات تزداد إلحاحًا: لماذا لم تصعّد النقابات لهجتها رغم أن الوضعية الاجتماعية بلغت حد الاختناق؟ هل هناك اتفاق غير معلن لتهدئة الأوضاع في أفق التحضير لاستحقاقات 2026 التشريعية؟ وهل تخلّت النقابات عن دورها التاريخي في الدفاع عن الشغيلة مقابل امتيازات سياسية؟
حكومة أخنوش تراقب بصمت
من جهتها، تبدو حكومة عزيز أخنوش وكأنها وجدت في ضعف التعبئة النقابية فرصة لالتقاط الأنفاس، خصوصًا بعد أشهر من الضغط الشعبي، واحتجاجات قطاعية متفرقة. لم يصدر عن رئاسة الحكومة أي موقف رسمي بارز بخصوص عيد الشغل، فيما اكتفت بعض القطاعات الوزارية ببيانات بروتوكولية، تتحدث عن إنجازات ووعود، أغلبها ظل معلقًا منذ توقيع "الاتفاق الاجتماعي" الذي بات اليوم محل تشكيك كبير من طرف شريحة واسعة من المغاربة.
أزمة بنيوية أم تحولات استراتيجية؟
المشهد النقابي بالمغرب لم يعد كما كان. نقابات تاريخية فقدت بريقها، وانقسامات داخلية أضعفت الخطاب الموحد، وتراجع منسوب الثقة لدى المواطنين في قدرة العمل النقابي على إحداث التغيير. أمام هذا المعطى، تبرز فرضية أن ما وقع في فاتح ماي 2025 هو نتيجة أزمة بنيوية مستعصية داخل النقابات، التي فشلت في تجديد خطابها وتنظيم صفوفها، وفقدت التواصل مع القواعد التي لم تعد ترى في الشعارات سوى فلكلور موسمي بلا تأثير.
انتخابات 2026... هل هي السبب الخفي؟
العيون الآن تتجه إلى الانتخابات التشريعية المقبلة سنة 2026، والتي يتوقع أن تكون مفصلية، خاصة مع التحديات التي يواجهها التحالف الحكومي الحالي. تردد النقابات الكبرى في خوض معارك قوية هذه السنة قد يكون مؤشرا على رغبتها في الحفاظ على توازنات سياسية وانتظارات انتخابية، أو على الأقل تحاشي الصدام مع حكومة قد تعود من جديد بفضل تحالفات محسوبة.
عيد الشغل... بلا شغل ولا أمل؟
بعيدًا عن التحليلات السياسية، يبقى السؤال الجوهري هو: ماذا تبقى من عيد الشغل في مغرب 2025؟ وهل لا يزال هذا الموعد السنوي قادرًا على التعبير عن معاناة الطبقة العاملة؟ في ظل كل هذه التحولات، يبدو أن عيد العمال فقد رمزيته وقوته، وبدأ يتحول إلى طقس روتيني فارغ المضمون، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى أصوات نقابية جريئة، وخطاب اجتماعي صادق، يليق بتحديات المرحلة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك