رحيل جيمس هاريسون.. الأسترالي الذي أنقذ ملايين الأطفال بدمه

رحيل جيمس هاريسون.. الأسترالي الذي أنقذ ملايين الأطفال بدمه
ديكريبتاج / الأربعاء 05 مارس 2025 - 12:42 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس

في عالم يندر فيه وجود أشخاص يجعلون من عطائهم رسالة خالدة، رحل الأسترالي جيمس هاريسون، المعروف عالميًا بلقب "الرجل ذي الذراع الذهبية"، عن عمر يناهز 88 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا إنسانيًا لا يُقدّر بثمن. لم يكن هاريسون مجرد متبرع بالدم، بل كان شريان حياة لأكثر من مليوني طفل، بعدما كرّس ستة عقود من حياته لإنقاذ الأجنة من مرض قاتل عبر تبرعاته الفريدة ببلازما الدم.

توفي هاريسون أثناء نومه يوم 17 فبراير/شباط 2025 في دار للرعاية بأستراليا، وفق ما أعلنته عائلته، لينطفئ بذلك نور رجل لم يكن يدري أن جسده يحمل كنزًا بيولوجيًا نادرًا جعل منه أحد أعظم المتبرعين في تاريخ الطب الحديث.

قبل أكثر من ستين عامًا، لم يكن أحد يتخيل أن دم هاريسون يحمل مفتاح علاج مرض تحلل الدم عند حديثي الولادة، وهو اضطراب خطير يمكن أن يؤدي إلى وفاة الأجنة أو إصابتهم بمضاعفات قاتلة بسبب عدم توافق فصائل الدم بين الأم والجنين. لكن بفضل احتواء دمه على جسم مضاد نادر يُعرف بـ"Anti-D"، استطاع العلماء تطوير علاج مناعِي ثوري ساهم في حماية ملايين الأجنة من هذا المرض الفتّاك.

بدأت قصة هاريسون في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما خضع لعملية جراحية خطيرة في سن الـ14 استدعت نقل كمية كبيرة من الدم إليه. حينها أدرك أنه لولا تبرع الآخرين، لما نجا من الموت، فقرر أن يرد الجميل. لم يكن يعلم أن قراره ذاك سيضعه في قلب واحدة من أعظم الثورات الطبية التي شهدها العصر الحديث.

على مدار حياته، تبرع هاريسون بالبلازما أكثر من 1100 مرة، وهي أرقام مذهلة جعلته يدخل موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، بل وحصل على أوسمة وطنية تقديرًا لإسهاماته غير العادية. لكن الأهم من كل ذلك، أن تضحياته لم تكن مجرد أرقام، بل كانت حياة تُمنح وفرصة جديدة لأمهات وأطفال لم يكونوا ليعيشوا لولا دمه النادر.

عندما اضطر هاريسون إلى التوقف عن التبرع في عام 2018 بسبب تقدمه في العمر، شعر العالم الطبي بفراغ كبير، فقد كان من القلائل الذين يمتلكون هذه الأجسام المضادة، وكان فقدان دمه يعني انتهاء مصدر طبيعي لا يُعوّض لمادة كانت تُنقذ آلاف الأرواح كل عام.

برحيله، يفقد العالم أيقونة إنسانية نادرة، لكنها تظل خالدة في ذاكرة كل أم احتضنت طفلها بفضل دم هذا الرجل. جيمس هاريسون لم يكن مجرد متبرع، بل كان معجزة بشرية جعلت الحياة ممكنة لملايين الأطفال، وسيبقى اسمه محفورًا في التاريخ كواحد من أعظم المنقذين بصمت، دون أن يطلب شيئًا في المقابل سوى أن تستمر الحياة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك