أنتلجنسيا المغرب:أبو دعاء
تفشّت في الآونة الأخيرة ظواهر عنف
مقلقة في مختلف أرجاء المغرب، لم تعد تقتصر على الأحياء الهامشية أو المناطق
المعزولة، بل امتدّت إلى قلب المستشفيات، قاعات الدروس، الجامعات، وحتى الطرقات
العامة.
مشاهد الاشتباك بين مدنيين ورجال أمن،
وتبادل الضرب بالسيوف والعصيّ، أصبحت متكرّرة، محمّلة برسائل واضحة حول خلل عميق
يضرب بنية المجتمع، وينذر بانفجار اجتماعي وشيك.
العنف في المدارس لم يعد سلوكًا
فرديًا معزولًا، بل أصبح ظاهرة يومية يتناقلها الإعلام ومواقع التواصل، حيث يتعرض
الأساتذة للإهانة، وتتحول ساحات المؤسسات التعليمية إلى حلبات تصفية حسابات بين
التلاميذ.
ما يجري في المدارس يعكس انهيار دورها
كمصانع للتربية والتكوين، مقابل فشل حكومي في خلق بيئة تعليمية آمنة تحفظ هيبة
المربين وتُشعر التلاميذ بالانتماء والمسؤولية.
الجامعات المغربية بدورها لم تنجُ من
هذا المد العنيف، حيث تحوّلت بعض الكليات إلى فضاءات للترهيب بدل النقاش العلمي
والفكري، مواجهات طلابية بالسيوف والسلاسل في وضح النهار تفضح هشاشة المنظومة
الأمنية داخل المؤسسات الجامعية، وتكشف تغاضي السلطات عن استفحال النزعات العنيفة
وسط شباب يعيش البطالة والتهميش، ويغيب عنهم الأمل في المستقبل.
أما المستشفيات، فقد تحولت في كثير من
المدن إلى ساحات عنف لفظي وجسدي، ضحاياه أطر طبية ومواطنون على السواء، نقص
التجهيزات، طول الانتظار، الإهمال، والبيروقراطية، كلها عوامل تدفع المرضى وذويهم
إلى الانفجار في وجه الأطباء والممرضين، في ظل عجز الدولة عن إعادة الثقة في مرفق
صحي بات عاجزًا عن أداء أبسط وظائفه الإنسانية.
في الشوارع، اشتباكات يومية بالعصيّ
والسيوف بسبب خلافات تافهة على أسبقية المرور أو أماكن الركن. حوادث أصبحت مهدّدة
لحياة المواطنين ورجال الأمن، وتعكس تفككًا أخلاقيًا خطيرًا، وانهيارًا في الوعي
الجماعي، سببه الرئيسي هو تنامي اليأس، وغياب سلطة القانون الرادعة، وتآكل القيم
المجتمعية التي كانت تضبط سلوك الأفراد.
الخلل الحقيقي لا يكمن فقط في السلوك
العنيف، بل في البيئة الاجتماعية التي أنتجته. فشل السياسات الاقتصادية للحكومة،
وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، والتهميش الممنهج للطبقات المتوسطة والفقيرة، كلها
عوامل غذّت هذا الاحتقان، وجعلت من العنف وسيلة تعبير أخيرة لدى فئات تشعر
بالخذلان، والإقصاء، وانعدام الأمل.
الحلول لا تكمن فقط في المقاربة
الأمنية، بل في معالجة جذور الأزمة. لا بد من سياسات اجتماعية جريئة تنقذ الشباب
من البطالة، وتعيد الاعتبار للتعليم، وتوفر العلاج والكرامة في المستشفيات، وتعيد
بناء الثقة بين المواطن والدولة.
إصلاح العدالة، تجريم العنف بشدة،
وتقوية منظومة القيم عبر الإعلام والمدرسة والأسرة، هي خطوات مركزية لاستعادة
الأمن المجتمعي.
ما يحدث اليوم ليس مجرد ظواهر عنف
معزولة، بل إشارات واضحة إلى احتقان اجتماعي عميق، يتحمّل مسؤوليته صناع القرار
الذين اختاروا سياسات فاشلة تُفقر المواطن وتهمّش كرامته.
إن لم تُتخذ قرارات حاسمة وشجاعة، فإن
المغرب مهدّد بفقدان ما تبقّى من تماسكه الاجتماعي، ودخوله في دوامة لا رجعة فيها
من الفوضى والعنف والانهيار القيمي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك