بقلم : آدم بوبل
يُشكّل يوم
التاسع والعشرين من أكتوبر، في كل سنة، مصدرًا للحزن والكآبة والمرارة والغضب
بالنسبة لليسار المغربي.
ففي هذا
التاريخ، اختُطف واختفى المهدي بن بركة سنة 1965 في باريس، كما اختُطف الحسين
المانوزي سنة 1972 في تونس.
لم تُكشف
الحقيقة في القضيتين إلى اليوم، وما زالت الأنظمة المغربية والفرنسية (في قضية بن
بركة) والتونسية (في قضية المانوزي) ترفض نشر الوثائق أو رفع السرية عن الملفات
المرتبطة بهاتين القضيتين السياسيتين.
وفي هذا
اليوم، 29 أكتوبر 2021، بعد مرور ستة وخمسين عامًا على اختطاف المهدي بن بركة
وإجهاض مشاريعه التحررية الكبرى، سواء على الصعيد الوطني أو على مستوى العالم
الثالث، وتسعةٍ وأربعين عامًا على اختطاف الحسين المانوزي، أحد النشطاء البارزين
في الحركة النقابية المغربية والعربية في بلجيكا وهولندا وليبيا، أصبح من الضروري
أكثر من أي وقت مضى أن نتمسك بالحقيقة، تلك القضية النادرة التي ما زالت توحّد
صفوف اليسار المغربي.
من أجل بن
بركة، ومن أجل المانوزي، ومن أجل عائلتيهما أولًا، ثم من أجل الشعب التقدّمي
بأسره.
لم تتوقف
العائلات عن المطالبة بالعدالة، ولكن دون جدوى. فـ«منطق الدولة» ظلّ دائمًا هو
الغالب.
وفي هذه
الذكرى، أودّ أن أتناول فكر المهدي بن بركة. فكلّما تعمّقنا في قراءة هذا الرجل،
أدركنا أكثر حجم التهديد الذي مثّله بالنسبة للحكم الفردي والإقطاعي، الذين كانوا
الداعمين الأوائل للنظام وللاستعمار الجديد.
قررتُ أن لا
أتحدث عن تفاصيل اختطافه لسببين:
أولًا، لأنني
مجرّد متفرّج على هذه القضية ولستُ طرفًا فيها، والوحيدون الذين يملكون الحقّ
والمعرفة الكاملة للحديث عنها هم عائلة بن بركة ومحاميها الأستاذ موريس بوتان
وآخرون.
ثانيًا، لأنّ
قضية بن بركة قد تناولها الأستاذ موريس بوتان في كتابه المفصّل «الحسن الثاني –
ديغول – بن بركة: ما أعرفه عنهم» الصادر عام 2010 والمعاد طبعه سنة 2015، إضافة
إلى عدة مقالات وحوارات، آخرها بعنوان «احتقار السلطة» المنشور في موقع ميديا بارت
بتاريخ 28 يونيو 2020.
إنّ هذا النصّ
الذي أقدّمه سيكون مقسّمًا إلى خمس فقرات، كلّ فقرة تتناول فكرة من الأفكار
الأساسية لزعيم المعارضة المغربية.
ويجب أن نعلم
أنه لا شيء يُغني عن قراءة المهدي بن بركة نفسه لفهم فكره، إذ إنّ عملي هذا ليس
سوى جهدٍ تبسيطيٍّ وتنويريّ يهدف إلى نشر أفكاره التقدّمية، المساواتية،
الاشتراكية، والأممية.
وللتعمق أكثر
في فكره، يمكن الرجوع إلى كتاب «المهدي بن بركة: مجموعة نصوص» الذي قدّمه بشير بن
بركة عام 2013.
وإذا كان جسد
المهدي بن بركة قد اختفى، فإنّ فكره لا يجب أن يختفي.
وإذا كانت
هناك تصفية جسدية، فلا ينبغي أن تكون هناك تصفية فكرية.
إنّ إحياء
فكره واجب من واجبات الذاكرة الوطنية.
1.
بناء المغرب الجديد
إنّ بناء مغرب
جديد، أو ما سمّاه المهدي بن بركة بـ«المجتمع الجديد»، يشكّل – في نظري – العمود
الفقري لمشروعه الفكري والسياسي.
فبعد
الاستقلال سنة 1956، وجد المغرب نفسه أمام واقعٍ معقّد يتمثّل في عبء إرثين:
- «الأول
يمكن أن نسمّيه الإرث الاستعماري، والثاني – وهو غالبًا متأثر بالأول وأهمّ منه –
إرث الجمود والعزلة، الأمر الذي جعل المغرب متأخرًا بما يقارب ثلاثة قرون في
مجالات الاقتصاد والتقنية والمؤسسات.»
ولذلك لم يكن
من الممكن أن نبقى أوفياء لعاداتنا السيئة المتمثلة في الجمود والاعتداد الفارغ
بالنفس.
لكن، لماذا
مغرب جديد؟ ولماذا مجتمع جديد؟
- «لكي
نُمكّن الإنسان من أن يتفتّح ويتمتع بالمكاسب العلمية والتقنية التي ساهم أجدادنا
أنفسهم في تطويرها، وأن نقضي على كلّ أشكال الاستغلال.»
فالمطلوب ليس
إنهاء الاستغلال الناتج عن فترة الحماية فحسب، بل أيضًا الاستغلال الداخلي، أي
استغلال الإنسان المغربي لأخيه الإنسان المغربي.
ويرى بن بركة
أن هذا التأخر يعود أيضًا إلى حرص المغاربة التاريخي على الحفاظ على استقلالهم، إذ
يقول:
«إنّ
الأسوار التي شيّدناها ضد الغزو منذ العهد السعدي كانت في الوقت نفسه أسوارًا منعت
العلم من الدخول إلينا.»
فكيف يمكن
إذًا بناء هذا المجتمع الجديد؟
لقد وضع بن
بركة معالم هذا المشروع منذ يونيو 1958 في تطوان، أمام أطر حزب الاستقلال، حيث
قدّم رؤيته العملية للإصلاح والبناء.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك