صورٌ ومشاهد إسرائيليةٌ بعد انتهاء العدوان على غزة (2)

صورٌ ومشاهد إسرائيليةٌ بعد انتهاء العدوان على غزة (2)
أقلام حرة / الأربعاء 12 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي

الإسرائيليون يسخرون من نتنياهو وذوو الأسرى يتوعدونه

يظن نتنياهو أنه نجح في خداع مستوطنيه، وأن حججه قد انطلت عليهم وأسكتتهم، وأنهم رضوا عنه وقد أرضاهم، وأنهم سكتوا عنه وقد أعاد إليهم أبناءهم، وأنه استطاع بخطاباته المتكررة وإطلالاته الإعلامية المقصودة أن يقنعهم أنه من حرر الأسرى واستعادهم، وأنه من أجبر حركة حماس وقوى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على التخلي عنهم وتسليمهم، وأنه بذلك يكون قد حقق أحد أهم شروط حربه على غزة، واستعاد الأسرى جميعاً كما وعد وتعهد، وأنه لولا الضغط العسكري ومواصلة الحرب، وعدم الإنصات للضغوط الدولية والاحتجاجات الشعبية والاستجابة لها، لما كانت حماس لتقبل بتسليم الأسرى وإعادة رفاة الجنود القتلى، والالتزام بالمهلة الزمنية المحددة لهم ضمن المرحلة الأولى من خطة السلام.

المستوطنون الإسرائيليون يعلمون أن رئيس حكومة كيانهم يعلم نفسه أنه كاذب، وهم يعلمون أنه كاذبٌ ومستمرٌ في كذبه، وهو ليس غبياً ليظن أنه حقق هدف الحرب بالضغط العسكري، ولعله أكثر من يعلم أنه فشل في تحقيق أيٍ من أهدافه التي أعلن عنها وتشدق بها، إذ أظهرت الوقائع أن عدداً من رفاة جنوده كانت تحت أقدام جنود جيشه وهم لا يعلمون، وأن بعض الأسرى كانوا قريباً منهم، وفي أنفاقٍ دخلوها، ومناطق احتلوها، ورغم ذلك لم يكتشفوا أمرهم، ولم يتبادر إلى أذهانهم أن أحدهم لو نظر إلى قدميه لرآهم، ولكن الله عز وجل أعمى بصيرته وبصيرتهم، وأضلهم وأضل أعمالهم، وأخزاهم وكشف عورتهم وأظهر سوءتهم، وبين عجزهم وضعف حيلتهم، وأحرجهم أمام شعبهم وعائلات الأسرى.

أضحى نتنياهو الكذاب الأشر، المحتال المكار، الغارق في أوحاله والضائع في مهامه، المتهم بالفساد والملاحق بالمحاكمة، والعاجز عن تحقيق النصر واستعادة القوة والهيبة، مثار سخرية الإعلام الإسرائيلي وتهكم الإعلاميين، ومحل استهزاء المستوطنين ومادة نكاتهم المستفزة وتعليقاتهم اللاذعة، وقد تجرأوا عليه وتجاوزوا حصانته، ولم تمنعهم مكانته أو تخيفهم سلطته، فكانوا لا يترددون في انتقاده وتوجيه اللوم له، وتحميله المسؤولية واتهامه بالتقصير، ولا يخفون استخفافهم به وسخريتهم منه، وهو يحاول إقناعهم بحركة جسده قبل لسانه، أنه البطل المحرر والقائد الصادق، وذهب بعض الإعلاميين والمستوطنين إلى تصويره كفأرٍ وقع في مصيدة، يتخبط يميناً ويساراً ويحاول الخروج منها بلا جدوى، والمتابع لوسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية يجد العجب فيها، مما يغيض نتنياهو وفريقه، إذ أن أغلبها مشاركات تهكمية لاذعة.

يعرف المستوطنون الإسرائيليون جميعاً، والحكومة والجيش والإعلام الإسرائيلي، والولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤهم في العالم، أن نتنياهو لم يستعد بالقوة العسكرية ومن الميدان في قطاع غزة سوى ستة جنودٍ، وقد استطاع تحريرهم بعد أن دك جيشه المناطق التي كانوا فيها بآلاف الأطنان من المتفجرات، ودمر مبانيها وقتل المئات من سكانها، وأجبرهم على النزوح منها والرحيل عنها، ورغم ذلك فإن من استعادهم كانوا آحاداً، ومن قتلهم كانوا عشراتٍ، وأن من عاد منهم خلال السنتين قد عاد بالمفاوضات وبجهود الوسطاء، الذين استطاعوا بالسياسة والصفقات، مبادلة الأسرى الإسرائيليين بأسرى فلسطينيين ووقف الحرب لأيام معدودات، ولولا الوسطاء والجهود الكبيرة التي بذلوها ما عاد منهم أحد.

وقد كان للصفقة الأخيرة التي أبرمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ضمن خطة السلام التي اقترحها بين العدو الإسرائيلي والفلسطينيين، الدور الأكبر في فضح نتنياهو وإظهار عجزه وبؤسه، إذ يعود للرئيس الأمريكي وحده الفضل في استعادة الأسرى الإسرائيليين وتحريرهم، واستعادة رفاة الجنود ودفنهم، وهو الذي سمع صرخات ذويهم، وأصغى إلى دعواتهم له بالتدخل، وأرسل مندوبه ستيف ويتكوف للقائهم أكثر من مرة، وسمع منهم أنهم لا يأملون في نتنياهو ولا يصدقونه، ولا يعولون على جهوده ولا يؤمنون بوعوده، بل إنهم يحملونه المسؤولية الأولى عن مقتل أبنائهم وتعذر الإفراج عن الأحياء منهم.

لا يكتف المسؤولون الإسرائيليون، السياسيون والعسكريون والأمنيون والإعلاميون وغيرهم، سواء ممن هم في المعارضة السياسية، أو من المتقاعدين الأمنيين والعسكريين، باتهام الحكومة بالعجز والتقصير، وأنها لم تبذل جهداً في استعادة الأسرى الذين عادوا رغماً عنها، بل إنهم يحملونها المسؤولية الكاملة عن مقتل عشرات الأسرى الإسرائيليين، وأن الجيش كان يتعمد قصف المناطق التي كانوا يحتجزون فيها، ولا يمتنع عن مهاجمة أماكن وأهداف كان من الممكن أن يكون الأسرى فيها، وذهب بعضهم إلى اتهام نتنياهو بسعيه لقتلهم والتخلص منهم، ليفلت من المحاسبة، وليطلق يد جيشه وطائراته في الغارات والقصف والتدمير، ولمواصلة الحرب بلا حدود ولا غايات، وبلا أهداف أو نهايات.

يعرف الإسرائيليون وقد استعادوا أسراهم من غزة أحياءً وأمواتاً أنه ليس لنتنياهو فضل فيها سوى أنه كان سبباً في تأخير عودتهم، وأنه يتحمل وحده وحكومته مسؤولية مقتل بعضهم، وهو ما كان يتمنى للمفاوضات أن تنجح وللجهود الدولية أن تستمر، ولخطة ترامب أن تمضي، بل لو ترك الخيار له فإنه كان سيعطلها وسيفشلها ككل مرةٍ سبقت.

وهو الآن بات يعلم أن وقت الحساب قد اقترب، وأن ساعة المساءلة قد أزفت، وأن صناديق الانتخابات ستحاسب، وأصوات مستوطنيه لن تصب في صالحه، وأن أي انتخاباتٍ برلمانية قادمة، مبكرة أو في وقتها، فإنها لن تفضي إلى عودته، ولن تكون نتائجها لصالحه، وهي إن لم تخرجه فإنها ستضعفه، وستقصي أغلب حلفائه، وستعاقب كل شركائه، ولن يعود لأغلبهم مكانٌ تحت قبة الكنيست الإسرائيلية.

 يتبع ...

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك