بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي/ بيروت
يا مسلمي
العالم وأحراره أغيثوا أهل غزة
أما وقد قام الفلسطينيون بما يجب أن يقوموا به بعزةٍ
وشرفٍ، وكبرياءٍ وشموخٍ، وإباءٍ وشممٍ، وصمدوا سنتين كاملتين في مواجهة آلة القتل
الأمريكية الخرقاء، التي زودت بها الإدارات الأمريكية جيش الكيان اللقيط ومكنته،
وسمحت له باستخدامها في حرب الإبادة والتطهير، ومحاولات القتل والتهجير، واستطاعوا
بتضحياتهم الجسام وصمودهم الأسطوري واحتسابهم العجيب رفع رأس الأمة التي فاخرت بهم
وتشرفت، واعتزت بهم وتقدمت، إذ قاتلوا نيابةً عنها ومثلوا إرادتها، وجعلوا لها
اسماً يذكر ويوقر، وحجزوا لها تحت الشمس مكاناً، وتحملوا ما لم يتحمله شعبٌ آخر في
التاريخ، بالنظر إلى حجم الحمم البركانية، والصواريخ المدمرة، والقصف المهول الذي
تعرضوا له.
يأتي اليوم دور الأمة العربية والإسلامية، شعوبها لا
دولها، ومؤسساتها لا حكوماتها، وهيئاتها لا نظمها، وقد تأخرت مهما قدمت، وقصرت
مهما أعطت، ولم تؤد ما عليها مهما اجتهدت، ولتعلم أنها ستسأل عما قدمت وأخرت،
وستحاسب عما منعت وحبست، وستبوء الخيبة والخسران إن تأخرت وقصرت، وقد جاء دورها
اليوم لتبرأ أمام الله عز وجل بالوقوف إلى جانب سكان قطاع غزة ونصرتهم ومساعدتهم،
ودعمهم ومساندتهم، وإكرامهم والإحسان إليهم، وهم اليوم لا يطلبون من الأمة دماً
ولا سلاحاً، ولا يريدون منهم قتالاً ولا مقاومة، ولا تضحيةً أو بذلاً، ولا يحملونهم
فوق طاقتهم، ولا يحرجونهم ويكشفون عجزهم، ويفضحون ضعفهم.
إن المطلوب من الأمة اليوم، بشطريها العربي والإسلامي
ومعهما أحرار العالم كله، المناضلين الشرفاء، والمناصرين الأوفياء، الذين تحدوا
حكوماتهم وخالفوا سياسة بلادهم، وأيدوا الشعب الفلسطيني وناصروه، وساندوه وتضامنوا
معه، وهم ليسوا عرباً ولا مسلمين، وإنما هم دعاة حق وأنصار العدالة، على وجه
السرعة وبالعجلة القصوى، وبجرأةٍ وشجاعةٍ ودون خوفٍ، وبعزمٍ وإصرارٍ وبلا تردد،
وبتحدٍ وعنادٍ ومواجهة، تقديم كافة أشكال الدعم المادي بلا حدود إلى سكان قطاع
غزة، الذين باتوا جميعاً، بلا استثناء، فقراء معدمين، ومعوزين محتاجين، جرحى وجوعى
ومرضى وبلا مأوى، فلا بيوت بقيت لهم، ولا قوت عندهم، ولا خبز يأكلونه، ولا ماء
يشربونه أو يستخدمونه، ولا مساجد ولا مدارس ولا مراكز صحية ولا مستشفيات، ولا شيء
من مقومات الحياة ومظاهر التمدن أبقى عليه جيش العدو بلا قصفٍ أو دمارٍ.
لا عذر اليوم لقاعدٍ أو قادرٍ، ولا لممتنعٍ أو حابسٍ،
ولا لمقصرٍ أو عاجز، ولا لغنيٍ أو فقير، ولا لمواطنٍ أو مغترب، ولا لمن يملك بيتاً
أو يستأجر سكناً، ولا لتاجرٍ أو موظف، ولا لمسؤولٍ أو عاملٍ، فكل الأمة العربية
والإسلامية بخير، فهي تعيش في بلادها، وتأمن في أوطانها، وتسعد مع أولادها، وتملك
قوت يومها، وطعام أولادها، وعندها ما يسترها ويحفظ حياتها، بينما أهل غزة لا
يملكون شيئاً، وقد فقدوا الأب والأم والأخ والشقيق والولد والطفل والرضيع، فأفيضوا
عليهم أيها العرب والمسلمون مما أفاض الله به عليكم، وأدوا زكاة أموالكم لهم، بل
زكوا أنفسكم بأموالكم وأرسلوها لهم، وباركوا بيوتكم واحفظوا أولادكم، وإلا فأذنوا
بحربٍ من الله ورسوله، ولعنةٍ منهما لا تزول ولا تحول إلى يوم القيامة.
لم تعد الأبواب مغلقة، ولم يعد تحويل الأموال إلى قطاع
غزة متعذراً، فلا يتعلل أحد بصعوبة إدخال المال وتعذر توصيله إلى أصحابه
والمحتاجين إليه، فقد انتهى الجشع والاحتكار، وحاربت الحكومة أصحاب مكاتب تحويل
الأموال وتجار الحروب، الذين كانوا يفرضون عمولةً كبيرة على الأموال المحولة إلى
قطاع غزة، وأصبح بإمكان كل من يرغب في المساعدة أن يحول من أي مكانٍ ما يريد،
وسيكون واثقاً أن المال سيقع في أيدي مستحقيه، وسيستفيد منه أهل غزة، فهو في أي
أرضٍ وقع فسينبت، وسيزهر وسيثمر في أرضنا المباركة ومع شعبنا الفلسطيني العظيم،
ولا تستقلوا أي مبلغٍ مهما صغر، ولا تحقروا أي مساعدة مهما ضئلت، فالقليل ينفع
والكثير يجدي.
لا تعيبوا على أهل غزة حاجتهم، ولا تعيروهم بفقرهم، فقد
والله قدموا أغلى ما عندهم، وضحوا بأنفس ما يملكون، وقد تآمر العالم كله مع العدو
عليهم، فحاصرهم وجوعهم، وقتلهم وحاول إبادتهم، ولكنهم أصروا على البقاء، وأقسموا
على الثبات، ورفضوا الهجرة والشتات، فلا تردوا سائلهم، ولا تمتنعوا عن إجابة
طالبهم، ولا تغلقوا الأبواب في وجوه المحتاجين منهم، وكلهم في حاجة ويشكو من جوعٍ
وفقرٍ وفاقةٍ ومرض، ويتألم من فقدٍ وشهادةٍ وإصابةٍ ووجع.
وأنتم أيها العلماء والأساتذة والكتاب والمفكرون والمحللون والمثقفون والمبدعون والمسؤولون، شجعوا الأمة كلها على التضامن مع المواطنين الفلسطينيين، وعلى تقديم العون لهم، وانشروا بينهم هذه الثقافة، وادفعوهم نحو هذا الواجب، وذكروهم بأن أهل غزة الذين أصابهم ما أصابهم وما ركعوا ولا خنعوا، ولا هانوا ولا استسلموا، يستحقون أن نضحي من أجلهم، وأن نقتسم معهم ما نملك حتى ينهضوا من كبوتهم، ويقفوا على أقدامهم.
واعلموا أن التاريخ لن يرحمكم، والله عز وجل لن يغفر
لكم، وأمتكم لن تسامحكم، والأجيال القادمة ستزدريكم وستحتقركم، وستلعنكم وستتبرأ
منكم، إن قصرتم في الدعوة، أو جبنتم عن التحريض، وخفتم من حاكمٍ أو سلطانٍ،
ولتكونوا أنتم القدوة والمثال، والنموذج الذي يحتذى، ولتتبرعوا ببعض أموالكم
ليتأسى بكم شعبكم، وتتعلم منكم أمتكم، تطهرون بها قلوبكم، وتسمو بها أرواحكم،
وتزكون بها أنفسكم، ويبارك الله لكم بها في نسلكم وأولادكم ورزقكم وأموالكم، ويمد
في أعماركم ويرفع قدركم ويحفظ مقامكم.
يتبع ......
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك