الاتحاد الاشتراكي…من بيت النضال إلى معقل الانتهازية

الاتحاد الاشتراكي…من بيت النضال إلى معقل الانتهازية
أقلام حرة / الأحد 19 أكتوبر 2025 / لا توجد تعليقات:

 بقلم: مصطفى شكري

ما تم ترويجه مؤخرًا حول المؤتمر الوطني الثاني عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بأنه لحظة تاريخية استثنائية واحتفال بإعادة انتخاب إدريس لشكر كاتبا أولًا، ما هو إلا سرد إعلامي مزيف لتجميل واقع حزبي متردٍ وفاقد للشفافية. فحين ينظر المرء إلى الواقع الداخلي للحزب، يكتشف أن الاتحاد الاشتراكي لم يعد سوى حزب انتهازي، يبحث أفراده عن المناصب والمكاسب الشخصية، متذرعين بغطاء شعارات النضال والديمقراطية.

يبدأ التزييف الإعلامي فورًا بالحديث عن فتح باب النقاش أمام جميع المؤتمرين وانفتاح كامل للآراء، بينما الواقع يقول إن هذه الممارسة كانت مجرد واجهة لإيهام الرأي العام بالحيوية الداخلية للحزب، في حين أن معظم القرارات الحاسمة، بما فيها إعادة انتخاب إدريس لشكر كاتبا أول، كانت معدة مسبقًا لضمان استمرار القيادة الحالية ومصالحها الخاصة.

ويظهر التزييف أيضًا في الترويج للحضور الرسمي والوازن من الحكومة وأحزاب سياسية وممثلين دوليين، فهذا التواجد ليس دليلاً على جدية الحزب أو حيويته التنظيمية، بل هو واجهة إعلامية تخدم صورة الحزب بعيدًا عن أي مساءلة حقيقية حول الأداء أو الانقسامات الداخلية. لقد أصبح الحزب اليوم مسرحًا سياسيًا لتثبيت الزعامة وليس منصة لنقاش الأفكار أو المشاريع الوطنية، وما يسمى بالدينامية الفكرية وندواته الدولية حول فلسطين والتنمية والديمقراطية مجرد واجهة إعلامية لاستعراض حضور رمزي لا يعكس الواقع الداخلي للحزب. إعادة انتخاب إدريس لشكر كاتبا أولًا تم تصويرها على أنها قناعة جماعية ونتيجة طبيعية لمسار عمل منظم ومثمر، لكن الحقيقة تقول إن آليات الحزب الداخلية مُهيأة مسبقًا لضمان استمرار القيادة الحالية، وتم تهميش الأصوات المعارضة وتصوير أي نقد على أنه خارج السرب، بينما الواقع يشير إلى أن القواعد التي صوتت لم يكن لديها خيار حقيقي، وأن المؤتمرات الإقليمية واللجان الفرعية صُممت لتبرير التمديد وليس لممارسة الديمقراطية. وهنا يظهر منطق الانتهازية الذي سيطر على الحزب، فكل قرارات القيادة تصب في مصلحة نخبة ضيقة لا تهتم إلا بتثبيت مكانتها ومكاسبها الشخصية مستغلة التاريخ النضالي للحزب كغطاء سياسي.

على مدى السنوات الأخيرة أصبح واضحًا أن الكثير من مناضلي الاتحاد الاشتراكي يبحثون عن المناصب والمكاسب المالية والمعنوية أكثر من اهتمامهم بقضايا الوطن أو المواطنين، حيث تتوزع المناصب القيادية على أساس الولاء للقيادة وليس على أساس الكفاءة أو الالتزام بقيم الحزب.

هذا الواقع يفسر لماذا يزداد الحديث عن بيت النضال والوفاء للوطن، بينما الحزب عاجز عن تقديم مشاريع سياسية أو اجتماعية حقيقية تؤثر في حياة المواطنين، فالانشغال الأساسي أصبح تثبيت المناصب وتوزيع الامتيازات واستعراض القوة الإعلامية على حساب المصداقية والنضال التاريخي. الاتحاد الاشتراكي، الذي كان يومًا منبرًا للدفاع عن الديمقراطية والمساواة والحرية، تحول اليوم إلى مزرعة مصالح حزبية شخصية، والشعارات التي يرفعها الحزب لم تعد سوى أدوات إعلامية لتجميل الواقع الداخلي وإخفاء الانقسامات والفساد التنظيمي.

ما يسمى بالنضال التاريخي والوفاء للمبادئ الوطنية لم يعد ملموسًا في أرض الواقع، بل إن الحزب أصبح مجموعة من الأفراد المتنافسين على المناصب والامتيازات متذرعين بماضي الحزب النضالي. ما أُوحي به عن الديمقراطية الحقيقية وفتح النقاش الحر أمام الجميع غير مطابق للحقيقة، فقد أظهرت التجارب الأخيرة أن أي صوت معارض أو نقد داخلي يُسجَّل على أنه خارج السرب ويتم التعامل معه بطريقة تقلل من شأنه، وهذا يعكس ازدواجية القيادة التي تدعو ظاهريًا إلى الحوار الديمقراطي بينما تتحكم داخليًا في نتائج الانتخابات والتعيينات لضمان مصالحها فقط.

في المقال الأصلي تم التأكيد على أن 1730 مؤتمرا ومؤتمرة يمثلون مختلف جهات المغرب اتفقوا جميعًا على إعادة انتخاب لشكر، لكن الواقع يقول إن التمثيل كان شكليًا أكثر منه حقيقيًا، حيث تم اختيار المؤتمرين بعناية لضمان نتائج مسبقة لصالح القيادة الحالية مع إقصاء الأصوات المستقلة أو المعارضة، وهذا يوضح أن الحزب اليوم أصبح آلة لضمان استمرار القيادة الحالية وليس منصة لممارسة الديمقراطية الداخلية أو تعزيز المشاركة السياسية الحقيقية.

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي كان يومًا منارة للنضال الوطني والديمقراطي، تحول اليوم إلى حزب انتهازي قائم على الولاء للقيادة والمصالح الشخصية أكثر من الولاء للوطن، والمناصب والمكاسب الشخصية أصبحت الهدف الأسمى لمناضليه فيما القيم والمبادئ التاريخية مجرد شعارات لتجميل صورة الحزب أمام الرأي العام.

الحديث عن مؤتمر وندوات دولية وحضور رسمي لا يغير الواقع، الحزب يفقد مصداقيته ويبتعد عن دوره الوطني الحقيقي ويصبح أقرب إلى أداة لاسترضاء القيادات العليا واستثمار الماضي النضالي لأغراض شخصية. الأهم من ذلك، أن هذا الواقع يطرح سؤالًا جوهريًا: هل الاتحاد الاشتراكي لا يزال حزبًا يمثل الشعب والمواطنين أم أصبح مجرد نادٍ للنخبة تبحث عن مكاسبها؟ الإجابة تكاد تكون واضحة لكل متابع للمشهد السياسي، الاتحاد الاشتراكي اليوم حزب انتهازي يضع مصالح قياداته الشخصية فوق كل اعتبار ويستغل النضال التاريخي للشعب المغربي كغطاء وهمي.

في الختام، ما كان يُفترض أن يكون مؤتمرًا لتجديد الحزب وتعزيز الديمقراطية الداخلية أصبح مسرحية لإضفاء الشرعية على قيادة انتهازية وتزيين واقع حزبي متآكل، كل الشعارات عن بيت النضال والوفاء للوطن ما هي إلا أدوات إعلامية لتجميل صور الحزب أمام الرأي العام وإخفاء الحقيقة المرة عن فساد الانتهازية الداخلية، الاتحاد الاشتراكي بهذه القيادة وبأعضائه المنتهزين لم يعد سوى صورة باهتة لماضٍ نضالي عظيم يتحول اليوم إلى معقل الانتهازية والمصالح

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك