أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين
تُعد الأجهزة الاستخباراتية المغربية، بمختلف تشكيلاتها المدنية والعسكرية، أحد الأعمدة الصلبة للدولة، نظراً لدورها المحوري في حفظ الأمن ومواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.
ومع تطور بنيتها وتعدد اختصاصاتها خلال العقدين الأخيرين، برز نقاش واسع حول حجم نفوذها داخل دوائر القرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالمملكة.
بنية متعددة الأذرع
يتكوّن المشهد الاستخباراتي المغربي من مؤسسات عدة، أبرزها:
المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DST)
المديرية العامة للدراسات والمستندات (DGED)
المديرية العامة للأمن الوطني (DGSN)، وخاصة أجهزتها التقنية والاستخبارية
الاستعلامات العسكرية التابعة للقوات المسلحة الملكية
هذا التنوع مكّن الدولة من بناء شبكة واسعة تغطي المجالات الأمنية والاستراتيجية، مع تداخل متزايد بين الأدوار الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية.
حضور مؤثر في القرارات الكبرى
وفق عدد من الباحثين المتخصصين في الأمن السياسي، فإن الاستخبارات المغربية أصبحت خلال السنوات الأخيرة طرفاً أساسياً في تقييم المخاطر وصياغة الرؤى الاستراتيجية، خصوصاً في الملفات التي ترتبط بالأمن القومي، كالصحراء، العلاقات الخارجية، الهجرة، ومكافحة الإرهاب.
ويشير خبراء إلى أن التحولات الإقليمية، خاصة في الساحل والصحراء، دفعت الدولة إلى الاعتماد أكثر على الأجهزة الاستخباراتية باعتبارها مصدر المعلومات الأكثر حساسية، ما جعلها حاضرة في غرف اتخاذ القرار وتحديد الأولويات الوطنية.
الاقتصاد:مجال تدخل غير مباشر
رغم أن الاقتصاد يخضع نظرياً لقرارات حكومية ومؤسسات مالية رسمية، إلا أن التقارير الاستراتيجية للأجهزة الأمنية تلعب، حسب مصادر متقاطعة، دوراً مهماً في:
تقييم المخاطر المرتبطة بالاستثمار الأجنبي
تحليل القطاعات الحيوية التي تمس الأمن القومي (الطاقات، المعادن، الاتصالات)
رصد تحركات لوبيات الضغط الاقتصادية
التنبيه إلى اختلالات قد تؤثر على الاستقرار الاجتماعي
هذا الدور يجعل توصيات الأجهزة جزءاً من النقاش الداخلي عند صياغة بعض السياسات الكبرى، دون أن يعني ذلك أنها صاحبة القرار المباشر.
الجانب الاجتماعي:مراقبة الاستقرار أكثر من التدبير
تركز الأجهزة الاستخباراتية على تتبع مؤشرات الاحتقان الاجتماعي، النقابات، وسلوك الشارع، بهدف تقديم تقارير استباقية حول المخاطر المحتملة.
هذا يضعها في موقع مؤثر على إيقاع الإصلاحات الاجتماعية، حيث تؤخذ تقاريرها بعين الاعتبار عند تقدير مدى تقبل المجتمع لجهة معينة من السياسات.
بين الدولة العميقة والحكم الأمني..نقاش مغربي مزمن
يستمر الجدل حول ما إذا كانت الاستخبارات جزءاً من "الدولة العميقة" بالمغرب، أم مجرد أدوات تنفيذية في خدمة السلطة السياسية العليا.
الباحثون المنتمون إلى مقاربة نقدية يرون أن النفوذ الأمني قوي ومؤثر، خصوصاً في الملفات الحساسة التي لا تُترك بالكامل للسلطة التنفيذية.
في حين يعتبر آخرون أن حضور الأجهزة طبيعي في دولة تواجه تهديدات إقليمية معقدة، وأن القرارات النهائية تظل في يد المؤسسات الدستورية العليا.
عموما، يكشف مسار تطور الأجهزة الاستخباراتية المغربية عن دور متزايد في رسم التوجهات الكبرى للدولة، خصوصاً على مستوى الأمن والسياسة الخارجية، مع تأثير غير مباشر في الملفات الاقتصادية والاجتماعية.
وبينما يظل النقاش مفتوحاً حول حدود هذا النفوذ، فإن معطيات الواقع تشير إلى أن المشهد السياسي المغربي لا يمكن فهمه دون إدراك الوزن الاستراتيجي لهذه الأجهزة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك