أنتلجنسيا المغرب:الهدهد المغربي
يتجه المغرب بخطى واثقة نحو بناء قوة عسكرية متطورة، عبر استراتيجية محكمة ترتكز على اقتناء تكنولوجيا عسكرية حديثة، خاصة في مجال الطيران، مع العمل بالتوازي على توطين الصناعة الدفاعية وتحديث قدراته البحرية والرقمية.
هذا التوجه تم رصده في دراسة تحليلية مشتركة بين مؤسسة "كونراد أديناور" الألمانية والمعهد المغربي "حوكمة عالمية وسيادة"، والتي أكدت أن الرباط بصدد تنفيذ تحول مدروس يهدف إلى حماية التراب الوطني، وضمان الاستقلالية الدفاعية في ظل بيئة إقليمية متغيرة، وصراع جيوسياسي متزايد في شمال إفريقيا، خصوصاً مع الجارة الشرقية الجزائر.
استثمارات في الطيران وأنظمة الدفاع الصاروخي
كجزء من هذا التحول، ركزت المملكة على اقتناء معدات متطورة مثل مروحيات AH-64 أباتشي، وطائرات مسيرة تركية من طراز بيرقدار، ومدفعية متقدمة، ومنظومات دفاع صاروخي.
وتشير الدراسة إلى أن المغرب توصل بالدفعة الأولى من طائرات "بيرقدار أكينجي"، مع وجود اتفاقيات غير معلنة حول طلبيات إضافية وُقعت في 2023، في وقت يتم فيه تنويع الشركاء بين الولايات المتحدة، وإسرائيل، وتركيا، والصين.
هذا التنوع في مصادر التسلح يهدف إلى تجنب الارتهان لشريك واحد، ما يمنح المملكة مرونة استراتيجية في زمن التحالفات المتغيرة.
توطين الصناعة الدفاعية: تحديات وبوادر واعدة
إلى جانب الاستيراد، يراهن المغرب على توطين إنتاج الأسلحة على أراضيه، وهو ما تجسّد من خلال اتفاقية شراكة مع الشركة الهندية "تاتا أدفانسد سيستمز" لإنتاج مركبات قتالية 8×8، وإعلان شركة "بايكار" التركية عن افتتاح منشأة صناعية في المغرب بداية سنة 2025 لصيانة وتصنيع الطائرات بدون طيار.
رغم ذلك، تحذر الدراسة من أن البلاد ما زالت تعاني من ضعف في القدرات الصناعية الدقيقة، ونقص في الكفاءات الهندسية المتخصصة، مما يفرض ضرورة استثمار الدولة في مراكز التكوين ومشاريع الابتكار الصناعي لتأمين استقلالية تكنولوجية على المدى المتوسط.
البحرية المغربية ورهان الأطلسي ومضيق جبل طارق
التقرير شدد أيضاً على أن التحديث يجب أن يشمل الأسطول البحري، بالنظر إلى الموقع الجيواستراتيجي للمغرب، خاصة على ضفاف المحيط الأطلسي ومضيق جبل طارق. ودعا إلى الاستثمار في فرقاطات متعددة المهام، قادرة على التعامل مع التهديدات تحت سطح البحر، والدفاع الجوي، والقيام بمهام الردع والتأمين البحري.
كما أشار إلى أهمية المراكز البحرية القائمة، كميناء طنجة المتوسط، وقاعدة القصر الصغير، بالإضافة إلى مركز مراقبة الحركة البحرية بطنجة، كمحطات استراتيجية تضمن للمغرب مكانة محورية في الأمن البحري الدولي.
الحرب السيبرانية.. الجبهة الجديدة
في ظل تصاعد التهديدات الرقمية، أبرز التقرير الحاجة إلى تعزيز الجاهزية السيبرانية للمملكة، من خلال إنشاء قيادة سيبرانية مستقلة ومتخصصة، تكون قادرة على مواجهة الهجمات الرقمية على البنيات التحتية الحيوية، والتصدي لحملات التضليل.
وأوصت الدراسة بالاستفادة من الدينامية الرقمية التي يشهدها المغرب، خاصة في الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، لبناء جيش رقمي عصري، قادر على الدفاع عن السيادة الوطنية في الفضاء الإلكتروني.
نحو تحالفات استراتيجية ومرونة دفاعية
خلصت الدراسة إلى أن المغرب مطالب بتسريع التعاون مع الحلفاء الغربيين، خاصة حلف شمال الأطلسي، من أجل تبادل الخبرات، والدخول في شراكات نوعية في مجالات الصناعة، والابتكار، والحماية الرقمية.
هذا التعاون سيكون أساسياً لضمان أمن المملكة، ليس فقط عسكرياً، بل اقتصادياً وسيادياً، في عالم أصبح فيه التفوق التكنولوجي هو مفتاح النفوذ والسيادة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك