يوم الجمعة موعد السماء مع الأرض

يوم الجمعة موعد السماء مع الأرض
دين / الجمعة 25 يوليو 2025 - 10:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب: الرباط

صلاة الجمعة ليست مجرد ركن تعبدي، بل هي محطة نورانية تتنزل فيها الرحمات وتفيض فيها البركات، ولا يدرك عظمة هذا اليوم إلا من ذاق لذة الوقوف بين يدي الله وسط الجماعة. إن الحضور إلى المسجد لصلاة الجمعة جماعة هو إعلان ولاء لله، ومبايعة متجددة على طريق الاستقامة.

من ترك الجمعة تهاونًا، غابت عنه الأنوار، وتسلل إلى قلبه الجفاء، لأن الجمعة موعد الروح مع تزكيتها، والنفس مع تهذيبها، والعقل مع طمأنينته، والذنوب مع مغفرتها. فيها يغتسل العبد من أدران الأسبوع، ويتطهر قلبه من شوائب الدنيا.

الملائكة تقف على أبواب المساجد تسجل أسماء الداخلين، وكلما بكر العبد في المجيء، كلما كتب في سجل المقربين، ومن جاء في الصفوف الأولى، نال من فيض الرحمة ما لم ينله المتأخرون، فهل بعد هذا التفضيل تهاون أو فتور؟

في صلاة الجمعة تلتقي الأرواح على كلمة التوحيد، ويهتف الإمام من فوق المنبر بنداء السماء: "يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله". وهل هناك ذكر أعظم من الصلاة؟ وهل هناك سعي أكرم من السعي إلى بيت الله؟

إن خطبة الجمعة ليست خطابًا دينيًا عادياً، بل هي توجيه رباني على لسان الإمام، فيها من الوعظ والهدي ما يجدد الإيمان، ويوقظ الغافل، ويهدي التائه. هي فرصة أسبوعية لا تُشترى، ولا تُعوّض، ولا يعقل أن يفرّط فيها مسلم.

الجمعة ليست فقط يوم عبادة، بل يوم اجتماع أمة، يتوحد فيه الصف، ويختلط فيه الغني بالفقير، والكبير بالصغير، والعالم بالجاهل، فترتقي القلوب على سلالم التكبير، وتسقط الحواجز تحت ظلال المساواة في بيت من بيوت الله.

في هذا اليوم يتوقف الناس عن البيع والشراء، ليشهدوا الصلاة جماعة، لأن الدنيا زائلة، والجمعة تذكير بالباقيات الصالحات، فمن أراد خير الآخرة، فليحضرها بقلب خاشع، ولسان ذاكر، وجسد طاهر.

ما أعظم الأجر حين تصافح الجباه أرض المسجد، وترتفع الأكف في الدعاء، وتذوب القلوب خشوعاً في حضرة الجلال! وما أكرم الله حين يغفر في هذا اليوم ما تقدم من الذنوب لمن صلّى الجمعة بإيمان واحتساب.

المسلم الحقيقي لا يفرّط في الجمعة مهما انشغل، لأنه يعلم أنها بابٌ من أبواب الجنة فُتح له كل أسبوع، فكيف يغلقه بيده؟ وكيف يرضى أن يُحرم من نور الجماعة وفضلها؟

الجمعة جماعة فيها السكينة، والخشوع، والرضا، وفيها تتجلى عظمة الجماعة في الإسلام، حيث لا عزلة، ولا فردانية، بل تلاحم روحي يبعث على القوة والتكافل.

المحروم من صلاة الجمعة جماعة هو محروم من النور، لأن الله جعل هذا اليوم عيداً أسبوعياً، ومن ترك العيد عمداً فقد هجر الخير، وركب قطار الغفلة.

الوضوء قبل الجمعة، والغسل، ولبس أجمل الثياب، والتطيب، والتبكير إلى المسجد، والمشي بخطى هادئة، وانتظار الصلاة، كلها عبادات تنهمر فيها الحسنات كما ينهمر المطر من السماء.

في صلاة الجمعة تُكتب خطوات المصلي إلى المسجد حسنات، وتُمحى عنه خطاياه، وتُرفع درجاته، وهل هناك تجارة أكرم من هذه؟

الجمعة فرصة لتجديد التوبة، ومحو ما كان من أخطاء الأسبوع، وهي مناسبة لنسيان الخصومات، وبناء جسور الأخوة، فهل نضيعها في الغفلة؟

من لم يحضر الجمعة فقد خسر لحظة الدعاء المستجاب، تلك اللحظة الغامضة التي أخفاها الله في هذا اليوم المبارك، فهل يعقل أن يفرّط العبد في لحظة قد تغير حياته كلها؟

في بيوت الله تنزل الملائكة، وتتنزل السكينة، وتُكتب أسماؤنا في صحائف النور، ونحن شهود على أنفسنا، فهل نشهد لأنفسنا بالإيمان أم نُعرض عنها؟

الجمعة ليست مجرد صلاة، بل هي توقيع روحي على انتمائنا للإسلام، وشهادة أسبوعية على حبنا لله وطاعته، فكيف نشهد لأنفسنا بالتقصير والهجر؟

من ترك الجمعة ثلاث مرات تهاونًا طبع الله على قلبه، كما جاء في الحديث، فليحذر الغافل أن يُغلق عليه باب الرحمة بسبب عادة الاستهانة بهذا اليوم العظيم.

الجمعة جماعة ترفع الأمة، وتجمع القلوب، وتنير الدروب، وهي الخط الفاصل بين المسلم الذاكر والغافل، وبين المؤمن الحي والمستهتر، فاختر لنفسك مكاناً في الصفوف، قبل أن يُغلق الباب.

في يوم الجمعة، كل من حضر فهو ضيف الله، وكل من صلى مع الجماعة فهو من أهل الله، فهل يليق بالعاقل أن يرفض ضيافة الرحمن؟

ما أروع أن يجتمع الناس في بيوت الله، وتعلو أصواتهم بالتكبير، وتتسابق قلوبهم إلى التوبة، وتتعانق أرواحهم على باب الرحمة... إنها الجمعة، فكن من أهلها، وكن من الراكعين الساجدين.

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك