أنتلجنسيا المغرب:أبو دعاء
في زمن تكاثرت فيه الخصومات وتراكمت الأحقاد، تبقى المناسبات
الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى فرصًا ذهبية لمعالجة ما تعفن في القلوب، وبوابة
للصفح قبل فوات الأوان.
زيارة الأهل والأقارب في هذه المناسبات ليست مجرد عادة
اجتماعية، بل عبادة وروحانية تُعيد ترتيب الأولويات، وتُذيب الجليد الذي خلفته
صراعات الميراث وسوء الفهم وتراكم القهر.
العيد لا يُقاس بعدد الأضاحي أو الألبسة الجديدة، بل بعدد
القلوب التي تصالحت، والعيون التي اغتسلت من الغضب، والأنفس التي قررت أن تعود إلى
الصفح والرحم.
إن الإسلام حين شرع صلة الرحم لم يكن يعبث، بل كان يُؤسس لنظام
اجتماعي صلب، عماده التماسك والرحمة، لا القطيعة والحقد، وهو ما تجسده الزيارات في
الأعياد.
من المؤلم أن يتحول الدم الواحد إلى خصم، والأخ إلى غريب، بفعل
خلاف على قطعة أرض أو إرث بسيط، وتضيع روابط الدم في سوق المصالح والأنانيات.
المناسبات الدينية فرصة عظيمة للرجوع إلى الله، ولكن أيضًا
للرجوع إلى بعضنا البعض، فكم من خصام دفنته قبلة على الجبين، وكم من حقد ذاب في
كوب شاي العيد.
ليس من الشجاعة أن نُطيل القطيعة، بل الشجاعة الحقيقية أن نطرق
الباب رغم الخلاف، وأن نمد اليد رغم الخذلان، فالحياة قصيرة والحسرة على فوات
الأوان موجعة.
صحيح أن الخصومات قد تكون عميقة، وبعض الجراح نازفة، لكن العيد
يعلمنا أن التمسك بالحب أقوى من التمسك بالثأر، وأن الصفح لا يعني الضعف بل النبل.
في كثير من البيوت، نرى الإخوة يتبادلون التهاني عبر الهاتف
فقط، أو لا يتواصلون أصلًا، وكأن الرحم تحوّلت إلى قشرة، فاقدة للمحتوى والدفء،
وهذا ما يضرب جوهر الدين.
العيد بدون تزاور وتسامح ليس عيدًا، بل مجرد يوم آخر، أما حين
تُفتح الأبواب القديمة، وتُمسح الدموع من العيون، ويُعاد وصل المنقطع، هناك فقط
يكتمل معنى المناسبة.
الخصومات ليست قدرًا، ويمكن أن تُدفن كما تُدفن الأضاحي، إذا ما
توفرت الإرادة وسادت الحكمة، وكان الإيمان أقوى من الكبرياء، والنية أصفى من الحقد.
من يزرع السلام في العيد يحصد الحب طيلة العام، ومن يصافح بعد
خصام يكتب اسمه في ديوان الكبار، لأن التصالح يحتاج قلبًا شجاعًا لا عقلًا حاقدًا.
أصعب خطوة هي الخطوة الأولى، لكنها الأجمل، فمن يقرع باب خاله
أو أخته أو ابن عمّه في صباح العيد بعد سنوات من الجفاء، يُحدث ثورة إنسانية
حقيقية في مجتمعه.
القضايا المادية لا ينبغي أن تسحق إنسانيتنا، ولا أن تُحوّل
لحظات الفرح إلى مناسبات للتجاهل والتباعد، فالزمن لا يعود، والموت لا يستأذن،
فلنصالح قبل أن نبكي على أطلال الندم.
في النهاية، يبقى العيد
مرآة لقلوبنا، فإما أن نختار الغلّ والقسوة، أو نختار الصفح والسماح، ونمنح أنفسنا
وأقاربنا فرصة جديدة لبدء صفحة بيضاء في كتاب الحياة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك