أنتلجنسيا المغرب:وصال . ل
أداء الأمانات لأهلها في وقتها ليس
مجرد تصرف أخلاقي عابر، بل هو ركيزة من ركائز القيم الإنسانية والدينية التي تحفظ
توازن العلاقات بين الأفراد وتبني جسور الثقة في المجتمع. إنها ليست مجرد التزام قانوني،
بل عهد بين الإنسان وضميره، قبل أن تكون مسؤولية تجاه الغير.
لقد اعتنت الشريعة الإسلامية بأداء
الأمانة عناية خاصة، بل جعلتها من صفات المؤمنين الصادقين، ورتبت على التفريط فيها
عواقب وخيمة، إذ قال تعالى:
"إن
الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"، في دلالة واضحة على قدسية هذا الفعل وعلو
شأنه. ولا تقتصر الأمانة على الودائع أو الأموال، بل تشمل كل ما يُعهد به إلى
الإنسان من مسؤوليات وحقوق.
إن الالتزام بأداء الأمانة في الوقت
المحدد يعكس صورة الشخص المستقيم، ويؤسس لثقافة الاحترام المتبادل. فالتأخير في رد
الحقوق، مهما كانت أسبابه، يُعد خيانة في نظر الدين والمجتمع، ويؤدي إلى ضياع
الثقة وتفكك الروابط الاجتماعية، مما يفتح الباب للنزاعات والخصومات.
المؤسسات، كما الأفراد، معنية بهذا
المبدأ، إذ إن الوفاء بالعهود والعقود، وأداء الأجور والخدمات والالتزامات
الإدارية في أوقاتها، هو مؤشر على شفافية الإدارة ونزاهة تدبير الشأن العام. فأي
تأخير أو مماطلة، خاصة في القطاعات الحيوية، يشكل إخلالًا بالواجب ويضعف مصداقية
المؤسسة أمام المواطنين.
في زمن تتعدد فيه المغريات وتتداخل
فيه المصالح، يبقى أداء الأمانات في وقتها علامة فارقة بين أصحاب المبادئ ومروجي
الشعارات. فالأمانة ليست شعارًا يُرفع، بل ممارسة تُترجم في احترام المواعيد،
تسليم المستحقات، والوفاء بالمسؤوليات دون تهرب أو تبرير.
ولا يمكن الحديث عن بناء مجتمع متماسك
دون ترسيخ ثقافة الأمانة، بدءًا من الأسرة، مرورًا بالمدرسة، وصولًا إلى المؤسسات
العمومية والخاصة. فحين يُربّى الفرد منذ صغره على احترام الوقت وأداء الحقوق،
ينشأ على الانضباط، ويتحول إلى عنصر فاعل في التنمية.
من المقلق أن تتراجع هذه القيمة في
بعض البيئات، حيث يُنظر إلى الأمانة كنوع من السذاجة، ويُشجع التحايل والتماطل بدعوى
"الذكاء الاجتماعي"، في حين أن المجتمعات المتقدمة لا تنهض إلا بقيم
الانضباط والالتزام، التي تشكل الأمانة أبرز أعمدتها.
إن أداء الأمانة في وقتها ليس فقط
إنقاذًا لحقّ من الضياع، بل هو حفظ للكرامة، وصون للعلاقات، وتجسيد لمبدأ العدالة
في أبهى صورها. فهو يضمن سيرورة الحياة بلا منغصات، ويجعل من المجتمع فضاءً آمنا
تُحترم فيه الحقوق وتُحمى فيه الثقة.
وفي الأخير، فإن أداء الأمانات لأهلها
في الوقت هو امتحان يومي لمدى التزامنا بقيمنا، وهو واجب لا يقبل التسويف، لأنه
انعكاس حيّ لضمير الإنسان، ومرآة صدقه مع الله ومع الآخرين.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك