المؤثِّر… بين أثرٍ حقيقي وأثرٍ مُزيَّف

المؤثِّر… بين أثرٍ حقيقي وأثرٍ مُزيَّف
شكاياتكم / الاثنين 08 سبتمبر 2025 - 15:48 / لا توجد تعليقات:

تهنئه بمناسبه ذكرى عيد الشباب المجيد

بقلم : نادية عسوي

في أصل اللغة، المؤثِّر هو من يُحدِث أثرًا باقياً، من يترك في القلب والفكر علامة لا تُمحى. وفي زمن المنصات الرقمية، تحوَّل المعنى إلى "شخص يملك عددًا كبيرًا من المتابعين" ويستطيع أن يوجّههم في اتجاهٍ ما، سلوكًا كان أو رأيًا أو استهلاكًا.

لكن حين ننظر إلى واقع "المؤثِّرين" في المغرب، نصطدم بمفارقة مؤلمة: الأغلبية العظمى لا تترك أثرًا معرفيًا ولا أخلاقيًا، بل مجرّد ضجيج عابر. هناك من يحترف تبادل السب والشتم على وسائل التواصل، وهناك من يبيع مستحضرات تجميل رديئة أو منتجات فقدت صلاحيتها، وآخرون يتجرؤون على اقتحام مجالات لا علم لهم بها كعلم النفس والتربية. أمّا "المصيبة الكبرى" فهي تحويل التهريج والسخرية الفجة إلى مادة يومية، لا تساهم في صقل الذوق العام ولا في تطوير الحسّ الثقافي.

والأدهى أنّ بعض هؤلاء صاروا جزءًا من الواجهة الرسمية. نراهم يُستَقدَمون على نفقة دافعي الضرائب لحضور مقابلات مصيرية لكرة القدم، أو للترويج لمهرجانات كبرى، أو لتشجيع الفريق الوطني في دول بعيدة. بينما يفترض أن تكون هذه المناسبات منصّة حقيقية لتمثيل المغرب بكتّابه ومفكّريه وفنّانيه وعلمائه، لا بمؤثّرين يُقاس وزنهم بعدد "اللايكات".

أين الخلل؟

الخلل الأول يكمن في غياب رؤية ثقافية وإعلامية واضحة: الدولة نفسها، بدل أن تستثمر في المؤثرين الحقيقيين (أساتذة ، أدباء ،باحثون، فنانون حقيقيون…) تفضّل أحيانًا الوجوه السهلة التي تضمن "الوصول السريع" للجماهير عبر أعداد المتابعين.

الخلل الثاني هو تحوّل السوق الرقمية إلى معيار وحيد: من يملك آلاف المتابعين يُعَدّ مؤثراً حتى لو كان يبيع الوهم، بينما من يملك أفكارًا نيرة أو إنجازات علمية قد لا يلقى أي التفات.

الخلل الثالث يرتبط بـ غياب وعي مجتمعي نقدي، إذ يتابع الناس هؤلاء المؤثرين بلا مساءلة ولا تفكير في القيمة المضافة لما يقدّمونه.

ما العمل؟

أوّلًا: على الدولة أن تُعيد النظر فيمن تختاره لترويج صورته أمام الداخل والخارج. لا يُعقَل أن يكون سفراؤنا في كرة القدم أو المهرجانات أشخاصًا بلا عمق ولا رسالة.

ثانيًا: على المؤسسات الإعلامية والتعليمية أن تستثمر في صناعة مؤثرين حقيقيين: أساتذة، طلبة متفوقون، مبدعون شباب، علماء في مجالات دقيقة، فنانون يملكون مشروعًا ثقافيًا. هؤلاء إذا مُنِحوا الدعم، يمكن أن يُغيّروا الذوق العام ويوجهوا النقاش نحو ما ينفع.

ثالثًا: نحن كمجتمع، علينا أن نمارس حقنا في الاختيار: لا نكتفي بالمتابعة العمياء، بل نُحاسب، نسائل، ونطالب بمحتوى يليق بتضحياتنا وبتاريخنا الثقافي.

الخلاصة

التأثير الحقيقي لا يُقاس بعدد المتابعين ولا بحجم المشاهدات، بل بما يتركه من أثر عميق في الفكر والسلوك والوجدان. وبين "المؤثر" بمعناه الأصيل و"المؤثر" كما تصوّره المنصات الرقمية والدولة أحيانًا، هناك هوة واسعة لا بد من ردمها بسياسات ثقافية جادة، وبوعي جماعي لا يرضى بالتفاهة بديلاً عن القيمة. 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك