حين تحكم الدولة العميقة..ثلاث سنوات سجناً لسعيدة العلمي والكلمة ما زالت جريمة بالمملكة المغربية

حين تحكم الدولة العميقة..ثلاث سنوات سجناً لسعيدة العلمي  والكلمة ما زالت جريمة بالمملكة المغربية
تقارير / الأربعاء 17 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر

لم يكن قرار محكمة الاستئناف بالدار البيضاء القاضي بتثبيت الحكم الابتدائي في حق الناشطة الحقوقية والمدونة سعيدة العلمي مجرد فصل قضائي عادي، بل جاء كرسالة سياسية واضحة مفادها أن الدولة العميقة ما زالت تمسك بخيوط المشهد، وأن حرية التعبير في المغرب تظل رهينة ميزان السلطة لا ميزان العدالة.

فثلاث سنوات سجناً نافذاً، ليست حكماً قضائياً، بقدر ما هي عقوبة سياسية على رأي خرج عن السقف المرسوم.

سعيدة العلمي لم تُحاكم لأنها ارتكبت فعلاً إجرامياً، بل لأنها قالت ما لا يجب قوله في نظر منظومة تعتبر النقد تهديداً، والتدوين جريمة، والكلمة الحرة خروجاً عن الطاعة.

والتهم الجاهزة التي وُجهت إليها ـ إهانة هيئة منظمة، نشر ادعاءات كاذبة، وإهانة القضاء ـ ليست سوى عناوين مطاطة تُستعمل كلما أرادت السلطة تأديب الأصوات المزعجة، وتجديد الخوف في الفضاء العام.

الأخطر في هذا الحكم ليس مدته، بل توقيته وسياقه. فالعلمي كانت قد غادرت السجن قبل عام فقط بعفو ملكي بمناسبة عيد العرش، في إشارة بدت حينها وكأنها انفراج سياسي، قبل أن يتبين أن الأمر لم يكن سوى هدنة قصيرة سرعان ما أُغلقت بإعادة اعتقالها والحكم عليها من جديد.

هنا يتضح أن المشكلة لا تكمن في الأحكام وحدها، بل في بنية عميقة تُعيد إنتاج القمع كلما حاول المجتمع التنفس.

إن الدولة العميقة، بأذرعها الأمنية والقضائية، تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا المسار. فهي من ترسم الخطوط الحمراء، وهي من تحرك المتابعات، وهي من توظف القضاء لإضفاء الشرعية على قرارات سياسية جاهزة.

أما الحديث عن استقلال القضاء في مثل هذه القضايا، فيبدو مجرد شعار يُرفع عند الحاجة ويُسحب عند أول اختبار حقيقي.

ردود الفعل الحقوقية التي رافقت الملف، من بيانات استنكار ووقفات احتجاجية، لم تكن دفاعاً عن شخص سعيدة العلمي فقط، بل عن حق المجتمع بأكمله في التعبير والاختلاف.

ومع ذلك، اختارت السلطة تجاهل هذه الأصوات، مفضلة منطق الردع على منطق الحوار، ومنطق السجن على منطق الإصلاح.

إن تثبيت الحكم الجائر، ضد المدونة والناشطة سعيدة العلمي، لا يعكس قوة الدولة، بل هشاشتها أمام الكلمة الحرة.

فالدولة الواثقة من نفسها لا تخاف من تدوينة، ولا تحتاج إلى ثلاث سنوات سجناً لإسكات صوت ناقد.

ما يحدث اليوم هو تأكيد جديد، على أن ملف حرية التعبير في المغرب يُدار بعقلية أمنية، وأن الدولة العميقة ما زالت تعتبر الرأي المختلف خطراً يجب استئصاله لا حقاً يجب حمايته.

في النهاية، قضية سعيدة العلمي ليست قضية فرد، بل مرآة لوضع سياسي يُعاقَب فيه التعبير، ويُكافأ الصمت، ويُستعمل فيه القضاء كأداة لضبط المجال العام.

وهي رسالة لكل من يعتقد أن زمن الاعتقالات بسبب الرأي قد انتهى، فالدولة العميقة ما زالت هنا، وتحكم، وتقرر من يتكلم ومن يدفع الثمن.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك