أنتلجنسيا المغرب: وكالات
في أول تحرك دبلوماسي رفيع له منذ سريان وقف إطلاق النار في
غزة، بدأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولة خليجية محورية تشمل الكويت وقطر
وسلطنة عُمان، في وقت دقيق يشهد توتراً إقليمياً وتبدلاً في موازين القوى، ما يجعل
الزيارة محط أنظار المراقبين وصناع القرار في المنطقة.
تحمل الجولة أبعادًا تتجاوز البروتوكول السياسي، إذ تسعى أنقرة
عبرها إلى إعادة التموضع دبلوماسيًا في الخليج العربي بعد مرحلة من الانكفاء
النسبي، رغبة منها في استعادة دورها كفاعل رئيسي في الملفات الإقليمية، وعلى رأسها
القضية الفلسطينية التي شكّلت دومًا جوهر الخطاب التركي.
ووفق ما أعلنته الرئاسة التركية، فإن الزيارة تتضمن تقييماً
شاملاً للعلاقات الثنائية وبحث سبل تطويرها، إلى جانب توقيع اتفاقيات إستراتيجية
تعكس طموح أنقرة في توسيع شراكاتها الاقتصادية والأمنية، بما يرسخ حضورها المستدام
في منطقة الخليج.
الملف الفلسطيني يتصدر جدول أعمال أردوغان، خصوصًا في ظل وقف
إطلاق النار الهش في غزة. فتركيا تتحرك لتثبيت الهدنة وتحويلها إلى سلام دائم، مع
حراك دبلوماسي متزامن تقوده أنقرة بالتنسيق مع الدوحة وبعض العواصم العربية،
لإطلاق خطة إنسانية وإعمارية تعيد الحياة إلى القطاع المنهك.
وتشير مصادر تركية إلى أن أردوغان سيطرح فكرة تشكيل فريق عمل
دولي لضمان استدامة التهدئة، مع تعزيز المساعدات الإنسانية للمدنيين في غزة، في
إطار رؤية تركية تعتبر أن إعادة الإعمار هي مدخل سياسي لمرحلة ما بعد الحرب، وليست
مجرد ملف إنساني.
وفي تصريحات سابقة، أكد أردوغان أن بلاده تتحرك لتحويل اتفاق
وقف إطلاق النار إلى خطوة أولى نحو سلام دائم، محذرًا من تكرار الانتهاكات
الإسرائيلية، ومشيرًا إلى أن سجل إسرائيل السيئ في احترام الالتزامات يتطلب مراقبة
دولية صارمة تضمن حماية المدنيين.
وفي الوقت ذاته، أقدمت أنقرة على تجميد تجارتها مع تل أبيب، في
خطوة وُصفت بأنها موقف مبدئي ينسجم مع سياستها الخارجية الجديدة القائمة على
الموازنة بين الأخلاق والمصالح، لتؤكد أن القيم لا تنفصل عن حسابات الاقتصاد
والدبلوماسية.
الجولة الخليجية تأتي أيضًا ضمن مسعى أوسع لتعزيز العلاقات
الثنائية، إذ تولي تركيا أهمية خاصة للتعاون مع الكويت وقطر وسلطنة عُمان، لما
تمثله هذه الدول من مداخل مؤثرة في رسم السياسات الإقليمية. وتشمل الاتفاقيات
المنتظرة مجالات الطاقة، والدفاع، والاستثمار، والبنية التحتية.
في قطر، يلتقي أردوغان الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حيث
يترأسان معًا الدورة الحادية عشرة للجنة الإستراتيجية العليا التركية-القطرية في
الدوحة، وهي منصة تنسيقية مهمة ينتظر أن تفرز اتفاقيات جديدة في مجالات الدفاع
والتعليم والتجارة، بما يعزز التكامل بين البلدين.
أما في سلطنة عُمان، فإن المحادثات ستبني على نتائج الزيارة
السابقة للسلطان هيثم بن طارق إلى أنقرة، والتي أطلقت شراكات اقتصادية وثقافية
جديدة. وتطمح أنقرة اليوم إلى تطويرها لتشمل قطاعات الاستثمار البحري والطاقة
المتجددة.
ويرى المحلل السياسي محمود علوش أن علاقات تركيا مع الكويت وقطر
وعُمان تختلف في عمقها عن علاقاتها ببقية دول الخليج، إذ تقوم على الثقة السياسية
والاحترام المتبادل، وتُعد أكثر استقرارًا، وهو ما يجعل الجولة الحالية تأكيدًا
على متانة هذا المسار.
ويضيف علوش أن تركيا تحاول من خلال هذه الجولة أن تقدم نفسها
كشريك موثوق لدول الخليج في مرحلة إعادة رسم الخريطة السياسية للمنطقة، خاصة بعد
التحولات الكبرى التي فرضتها حرب غزة وما تبعها من استقطابات متصاعدة.
ويُجمع المراقبون على أن أردوغان سيحاول من خلال لقاءاته إرسال
رسالة مزدوجة: أن تركيا جاهزة لحماية مصالح الخليج، وفي الوقت نفسه مستعدة لتوسيع
التعاون الاقتصادي، بما يضمن توازنًا جديدًا بين الأمن والتنمية في المنطقة.
ويؤكد الأكاديمي مصطفى يتيم أن أنقرة بعد اتفاق العلا عام 2021
وضعت سياستها تجاه الخليج على قاعدة الشمول والتوازن، فابتعدت عن الاستقطاب وفتحت
قنوات مع مختلف الأطراف، ما سمح لها بالتحرك بحرية في قضايا معقدة مثل غزة واليمن
والعلاقات الإيرانية الخليجية.
وبينما يرى مراقبون أن
المواقف المتقاربة بين تركيا والكويت وقطر وسلطنة عُمان من العدوان الإسرائيلي
تمهّد لشراكة إنسانية وسياسية أعمق، فإن جولة أردوغان تمثل اختبارًا جديدًا لقدرة
أنقرة على تحويل دبلوماسيتها النشطة إلى نفوذ حقيقي يوازن بين العدل والمصلحة
ويعيد رسم ملامح التوازن في الشرق الأوسط.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك