
عن : المكتب التفيذي
مذكرة الحزب الاشتراكي الموحد
حول الإطار القانوني للانتخابات
التشريعية
"من أجل القضاء على كل أشكال
الفساد الانتخابي واحترام الإرادة الشعبية"
الجزء الأول
4-
أهمية النزاهة والشفافية لضمان مصداقية العملية الانتخابية
احتلت
الانتخابات مكانة أساسية في المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان، ونصت المادة
21 من الإعلان العالمي لحقوق الانسان على ما يلي:
"1.
لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين
يختارون بحرية.
2.لكلِّ
شخص، بالتساوي مع الآخرين، حقُّ تقلُّد الوظائف العامَّة في بلده.
3.إرادةُ
الشعب هي مناطُ سلطة الحكم، ويجب أن تتجلىَّ هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة
تجرى دوريًّا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السرِّي
أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرِّية التصويت".
وجاء
في المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ما يلي:
"يكون
لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكور في المادة 2، الحقوق التالية، التي
يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
(أ)
أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية؛
(ب)
أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة
بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين؛
(ج)
أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في
بلده".
وبما
أن المغرب من الدول التي صادقت على هذه المواثيق الدولية فقد أصبح ملزما باحترامها
وتنفيذ مضامينها. وقد أكد تصدير دستور 2011 على التزام المغرب بتعهداته، حيث جاء
فيه "إن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في المنظمات الدولية، تتعهد
بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الانسان
كما هي متعارف عليها عالميا"، كما تؤكد وتلتزم بـ "الاتفاقيات الدولية،
كما صادق عليها المغرب، وفي نطاق أحكام الدستور، وقوانين المملكة، وهويتها الوطنية
الراسخة".
كما
نص الفصل 11 من الدستور على ما يلي:
"الانتخابات
الحرة والنزيهة والشفافة هي أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي.
السلطات
العمومية ملزمة بالحياد التام إزاء المترشحين، وبعدم التمييز بينهم.
يحدد
القانون القواعد التي تضمن الاستفادة، على نحو منصف، من وسائل الاعلام العمومية،
والممارسة الكاملة للحريات والحقوق الأساسية، المرتبطة بالحملات الانتخابية،
وبعمليات التصويت، وتسهر السلطات المختصة بتنظيم الانتخابات على تطبيقها."
إن
هذا الفصل من الدستور المغربي يؤكد على أن أساس مشروعية التمثيل الانتخابي هي
الانتخابات النزيهة والشفافة. فهل كانت الانتخابات السابقة شفافة ونزيهة حقا؟
إننا
عندما نجد أن 30 من أعضاء البرلمان الحالي يوجدون بين القضبان، يؤكد أن الانتخابات
لم تكن نزيهة حقا، ولم تكن شفافة.
إن
ضمان نزاهة وشفافية العملية الانتخابية يشكل المدخل الأساس لإعادة الاعتبار للممارسة
السياسية، وتكريس مصداقية المؤسسات المنتخبة، واستعادة ثقة المواطنات والمواطنين
في الانتخابات كآلية ديمقراطية حقيقية للتغيير. فلا مجال اليوم لتزكية تجار
الانتخابات أو السماح بترشح من صدرت في حقهم أحكام قضائية بالفساد السياسي أو
الانتخابي، إذ إن استمرار هذه الممارسات يفرغ الانتخابات من مضمونها، ويجعلها سوقا
للسمسرة وشراء الذمم، عبر أساليب متفشية تبدأ باستغلال حاجيات المواطنين وتشغيلهم
في الدعاية مقابل أجور يومية، وتنتهي بابتزازهم للتصويت أو دفعهم للامتناع عن
التصويت.
ومن
أجل القطع مع هذه الانحرافات، فإن الحزب يدعو إلى إقرار منع قانوني صارم لترشح
الفاسدين وناهبي المال العام والمتهربين الضريبيين ومنتهكي حقوق العمال والعاملات،
لما لذلك من دور في تعزيز التنافسية السياسية السليمة، وإعادة الجدية إلى العملية
الانتخابية. كما يؤكد على ضرورة تفعيل دور أجهزة الدولة في مراقبة طرق منح
التزكيات الحزبية التي تحوم حولها شبهات فساد، مع وضع آليات قانونية واضحة لضمان
نزاهة الحملات الانتخابية، واتخاذ إجراءات زجرية فورية ضد كل مظاهر التزوير وشراء
الأصوات والتدليس.
وفي
هذا السياق، يقترح الحزب تفعيل القضاء المستعجل للبث الفوري في المخالفات المرتبطة
بالاقتراع، وإلزام أعضاء الحكومة الراغبين في الترشح بتقديم استقالاتهم قبل ستة
أشهر على الأقل من موعد الانتخابات، ومنع ظاهرة الترحال السياسي عبر رفض ترشيحات
من لم يمر على استقالتهم من أحزابهم الأصلية ستة أشهر شمسية كاملة. كما يدعو إلى
محاسبة ومعاقبة المشرفين على العمليات الانتخابية الذين يتعمدون التأثير على سلامة
الاقتراع، سواء عبر التلاعب بقراءة أوراق التصويت أو تسجيل ناخبين لا تتوفر فيهم
الشروط، أو الامتناع عن تنفيذ أحكام قضائية متعلقة بالعملية الانتخابية.
كما يشدد الحزب على ضرورة التنصيص على عقوبات
صارمة ضد من يحتفظون ببطائق هوية الغير لمنعهم من التصويت، أو من ينتحلون صفة
شخصيات أخرى يوم الاقتراع. وفي حال إلغاء نتائج الانتخابات من طرف المحكمة
الدستورية في دائرة معينة، ينبغي أن يترتب عن ذلك فتح تحقيق قضائي شامل لمتابعة
المسؤولين عن عملية التزوير، سواء تعلق الأمر بمسؤولين إداريين أو أعضاء مكاتب
تصويت أو مرشحين أو حتى ناخبين.
كما
يؤكد الحزب على إلزام أجهزة الدولة وعلى مختلف المستويات الوطنية والجهوية
والمحلية بالتحلي بالحياد الإيجابي عبر الالتزام بعدم دعم أو توجيه أو محاباة أو
خدمة أية جهة سياسية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، والتدخل الفوري لمحاربة كافة
أشكال ومظاهر الفساد الانتخابي والسياسي، وفتح إمكانية التبليغ للمواطنين عن
الجرائم الانتخابية والمعالجة الآنية عبر لجان مركزية وجهوية وإقليمية.
ويدعو
الحزب في نفس السياق إلى التنصيص الصريح على مساءلة ومحاسبة المشرفين والمسؤولين
على تدبير العملية الانتخابية في القوانين والمراسيم المؤطرة للانتخابات، وإقرار
عقوبات بحق كل من يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في إفساد العملية الانتخابية،
تزويرا وتأثيرا وكل ما يمكن أن يشكل تهديدا لشفافية الانتخابات في بلادنا.
بهذه
الإجراءات الصارمة ومثيلاتها يمكن للانتخابات أن تتحول إلى محطة ديمقراطية فعلية،
تعكس الإرادة الشعبية، وتقطع مع كافة أشكال الفساد التي أفرغت العملية السياسية
لعقود من مضمونها الديمقراطي النبيل.
واستكمالا
لهذه التدابير، وبناء على التراكمات التاريخية في التجربة الانتخابية المغربية،
فان الحزب الاشتراكي الموحد يدعو كذلك إلى تحديد 6 أشهر على الأقل قبل موعد
الاقتراع لنشر جميع القوانين والمراسيم والاجراءات الخاصة بكل عملية انتخابية
بالجريدة الرسمية وعلى المواقع الالكترونية، ومن بينها المنصة الرقمية التي
يقترحها الحزب والمفصلة في القادم من الفقرات.
5-الهيئة
الوطنية المستقلة للإشراف على الانتخابات
من
بين المعايير الأساسية والديمقراطية في أية عملية انتخابية موضوع الهيئة المشرفة
على تنظيم الانتخابات. لقد بقيت وزارة الداخلية تحتكر عملية الإشراف على الانتخابات
منذ إجراء أول انتخابات جماعية سنة 1960، ومن يومها يرفض المسؤولون إحداث هيئة
مستقلة للإشراف على الانتخابات كما هو معمول به في أغلب دول العالم، حيث تقلصت
نسبة الدول التي تشرف فيها الحكومة على الانتخابات الى 29 %
من مجموع دول العالم، في حين بلغت نسبة الدول التي أصبحت فيها هيئة مستقلة
هي من يدير الانتخابات 79%.
وتختلف
تجارب الدول في تقنين هيئة الإشراف على الانتخابات، فهناك دول نصت عليها في
دستورها من بينها: الهند، إندونسيا، البنغلاديش، غانا، الأورغواي ...الخ. بينما
أحدثت في دول أخرى بمقتضى قانون، نذكر من بينها: كندا، بريطانيا، استراليا،
بوركينافاسو.
ويشكل المغرب استثناء على مستوى المنطقة
المغاربية في هذا المجال، إذ إن باقي الدول المغاربية تسند مهمة الإشراف على
الانتخابات إلى هيئة وطنية بدلا من السلطة السياسية القائمة .. فبالنسبة للجزائر
تم إحداث الهيئة المشرفة على الانتخابات بموجب القانون العضوي رقم 19-07 المؤرخ في
14 مايو 2019. وبالنسبة لليبيا تم إحداث المفوضية الوطنية العليا للانتخابات بموجب القانون رقم 8 لسنة 2013 . وبموريتانيا
تم تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات بموجب القانون رقم 2018-024 الصادر
في 22 أغسطس 2018. وقد كانت تونس سباقة لتدشين هذه الممارسة الجديدة من خلال تأسيس
الهيئة العليا المستقلة للانتخابات بتاريخ 20 أبريل 2013. وفي مصر توجد هيئة
دستورية للإشراف على الانتخابات منصوص عليها في الدستور المصري ( الفصل التاسع:
المواد 208، 209، 210). وتأسست الهيئة المستقلة في الأردن سنة 2012 بمقتضى القانون
رقم 11 لعام 2012. وفي لبنان تأسست بمقتضى القانون الانتخابي رقم 2017/44. وتشرف
على تنظيم الانتخابات في العراق المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بمقتضى
القانون رقم 11 لسنة 2007، تنفيذا للمادة 102 من الدستور العراقي لعام 2005.
إن
استمرار المسؤولين المغاربة في رفض التجاوب مع مطلب إحداث هيئة وطنية مستقلة
وتمكينها من صلاحيات فعلية للإشراف على الانتخابات يساهم في التشكيك في مصداقية
النتائج الانتخابية ويقوي شبهات التزوير والتلاعب بالاستحقاقات الانتخابية.
وانطلاقا من التجارب الدولية الناجحة في تدبير
الانتخابات، ورغبة في تطوير التجربة المغربية وإغنائها، فإن الحزب الاشتراكي
الموحد يطالب بتشكيل هيئة مستقلة للإشراف على الانتخابات، تتمتع بالشخصية المعنوية
والاستقلال المالي، تتوفر فيها شروط الحياد والكفاءة المهنية والمصداقية، وتتألف
من اشخاص مشهود لهم بالنزاهة، وممثلي الأحزاب السياسية والنقابات، وممثلي هيئات
الحكامة والمجتمع المدني، وتؤسس بقانون. تختص دون غيرها بإدارة جميع الانتخابات
(التشريعية، وانتخاب أعضاء وعضوات الجماعات الترابية، والانتخابات المهنية)، وبالاستفتاءات.
و تتكلف هذه الهيئة بوضع اللوائح الانتخابية،
ومقترحات التقطيع الانتخابي، والتمويل الانتخابي، ومكاتب التصويت، وتوزيع حصص
الإعلامي العمومي للحملات الانتخابية، وتدبير عمليات التصويت إلى إعلان النتائج
ولهذا وجب أن توضع رهن إشارتها كافة وسائل وإمكانيات وزارتي الداخلية والعدل والجماعات الترابية .
وتقوم
بنية هذه الهيئة ومهامها الأساسية على مجموعة من الأسس الجوهرية، من أبرزها:
•تركيبة
الهيئة المستقلة : تتكون من هيئة تنفيذية تضم 12 عضوا وعضوة، ستة قضاة من محكمة
النقض وستة من خبراء قانونيين وشخصيات مشهود لها بالنزاهة والمصداقية ، و تراعى في
اختيارهم مقاربة النوع ويتم تجديد نصف
أعضائها بعد كل ولاية انتخابية (ثلاثة قضاة، وثلاثة أشخاص). وتنتهي مهمة كل
واحد(ة) بعد قضاء ولايتين انتخابيتين.
•تتمتع
بالاستقلال المادي والشخصية المعنوية، تتوفر فيها شروط الحياد والكفاءة المهنية
والمصداقية، وتؤسس بقانون، تختص دون غيرها بإدارة جميع العمليات الانتخابية
•مجلس
المراقبة : كآلية للمتابعة و مراقبة عمل
الهيئة، يتم تشكيل مجلس مراقبة يضم ممثلا واحدا عن كل هيئة حزبية و ممثلين عن
جمعيات المجمتع المدني و الجمعيات الحقوقية الجادة و باقي مؤسسات الحكامة المعنية
بصفة عضو مراقب بموضوع العملية الانتخابية و ضمان نزاهتها ، و يكون دورها مراقبة و
تتبع عمل الهيئة المستقلة وإقرار قراراتها و متابعة تنفيذها وطنيا و جهويا و
محليا.
•آلية
الاختيار: يتم اختيار الأعضاء بطريقة تشاركية تضمن تمثيلية الأحزاب السياسية،
والمجتمع المدني، ومؤسسات الحكامة.
•المهام
: تتحد مهمة الهيئة في الإشراف الكلي على الانتخابات و تدبير كافة مراحلها بدءا من
التقطيع إلى إعلان النتائج، بحيث تنقل كل اختصاصات وزارة الداخلية و صلاحياتها إلى
الهيئة و توضع رهن إشارتها كل المصالح المركزية و الجهوية و الاقليمية و المحلية
المعنية بالانتخابات
•المسؤوليات:
تشمل: تنظيم والإشراف على الانتخابات، إعداد مقترحات القوانين والمراسيم التطبيقية
الخاصة بالانتخابات، وعرضها على البرلمان
للمصادقة، إعداد التقطيع الانتخابي، ضمان
الشفافية والإنصاف في مختلف مراحل العملية الانتخابية، الإشراف على تمويل الحملة
الانتخابية و مراقبتها، تدبير استغلال الاعلام العمومي و مراقبة الحملات الرقمية،
والاعلان عن النتائج واستقبال الطعون و التبليغات…
•الرقابة:
تخضع كذلك هذه الهيئة لرقابة المحكمة الدستورية لضمان احترام المعايير الدستورية
والقانونية.
•التواجد
الترابي : تعتمد الهيئة إحداث هيئات جهوية و إقليمية و محلية برئاسة قاض بمشاركة
ممثلي الهيئات السياسية و ممثلي المجتمع المدني و الجمعيات الحقوقية ، و يجب ضمان
تمثيلية وحضور الهيئة في جميع نقط التصويت للإشراف وللتتبع و لتلقي الطعون و
التبليغات.
إن الجوهري في مقترح إحداث هذه الهيئة
الوطنية المستقلة ليس فقط في إنشائها كإطار شكلي، بل في تمتيعها فعلا بالصلاحيات
الكاملة التي تتيح لها ضمان نزاهة الاقتراع وزجر الممارسات الفاسدة، مع توفير
ضمانات تجعلها بعيدة تماما عن سلطة التعيين والتحكم الإداري. فالهدف العميق لهذا
الإصلاح هو توفير مناخ سياسي سليم يساهم في رفع نسبة المشاركة الشعبية، ويعيد
الاعتبار للعملية السياسية برمتها. وهو ما يستوجب أيضا خلق انفراج سياسي شامل على
كافة المستويات، وبما يوفر الإرادة السياسية الحقيقية لمواجهة إفساد الحقل السياسي
بالصرامة المطلوبة.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك