أنتلجنسيا المغرب: أبو دعاء
في خطوة تعكس رغبة السلطات الإقليمية بمكناس في تسريع وتيرة
التنمية الاجتماعية والاقتصادية، صادقت اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية على دفعة
جديدة تضم 65 مشروعًا وعملية برسم سنة 2025، بتكلفة إجمالية تفوق 8 ملايين و344
ألف درهم، ساهمت فيها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بحوالي 90 في المئة من
الغلاف المالي، وهو ما يعكس حجم الانخراط العمومي في تمويل المشاريع ذات البعد
الإنساني والاجتماعي.
ورغم الطابع الإيجابي للخطوة، إلا أن المعطيات الكاشفة عن إلغاء
عشرة مشاريع ضمن البرنامج الثالث، بسبب انسحاب أصحابها أو تعثرهم في احترام
الإجراءات، تفضح مجددًا هشاشة مسارات التفعيل الفعلي للمبادرات التنموية في
الإقليم، ما يطرح تساؤلات جوهرية حول جاهزية البيئة الحاضنة لهذه المشاريع، ومدى
توفر منظومة إدارية مرنة وفعالة تواكب حاملي المبادرات بدل أن تكون عبئًا عليهم.
في البرنامج الأول، الذي يركز على سد الخصاص في البنيات
والخدمات الاجتماعية، لم يُصادق سوى على مشروع يتيم، موجّه لحوالي 6266 مستفيدًا،
بغلاف مالي يناهز 730 ألف درهم، وهو ما يثير الاستغراب في ظل ما تعرفه العديد من
المناطق القروية المحيطة بمكناس من تدهور حاد في البنيات الأساسية، ما يعزز
الفرضية القائلة بأن الأولوية تُمنح أحيانًا للبرامج ذات الطابع العابر أكثر من
الاستثمارات الهيكلية.
أما البرنامج الثاني، الذي يستهدف الفئات الهشة، فقد شهد
المصادقة على 17 مشروعًا بتكلفة تجاوزت 2.4 مليون درهم، وهو مؤشر على استمرار
المقاربة الإحسانية في التعاطي مع الهشاشة، دون أن يتضح إن كانت هذه التدخلات
تُمهد لتمكين حقيقي يقطع مع التبعية للمساعدات.
وفي البرنامج الثالث، الذي يفترض فيه أن يكون نواة صلبة للإدماج
الاقتصادي للشباب وتحسين الدخل، صودق على 47 مشروعًا فقط، رغم كونه البرنامج
الأكثر حيوية. وبلغ عدد المستفيدين 68 فقط، وهو رقم يثير الحيرة، حيث يتجاوز عدد
المشاريع عدد المستفيدين، ما يكشف عن إمّا تمركز المشاريع في أيدي أفراد معدودين،
أو ضعف في عدالة التوزيع والتمكين الجماعي.
الملف الأكثر إثارة للجدل هو إلغاء عشرة مشاريع في هذا البرنامج
بسبب انسحاب حامليها أو تعثرهم في استكمال الإجراءات، وهي ظاهرة تؤكد أن المبادرة
الوطنية، رغم نبل أهدافها، ما تزال تصطدم بواقع إداري متصلب، وتفتقر في بعض
حالاتها إلى آليات المواكبة والدعم الحقيقيين، ما يؤدي إلى نفور الفاعلين المحليين
الشباب الذين يفترض أن يكونوا في قلب الدينامية.
هذا المسار، وإن كان يحمل مؤشرات إيجابية على مستوى حجم
الاستثمارات وعدد المستفيدين الإجمالي الذي بلغ أزيد من 9000 مستفيد، إلا أنه يعيد
إلى الواجهة التحدي الجوهري المتمثل في فعالية التتبع والمراقبة، وكذا ضرورة تجويد
آليات الدعم والمواكبة، وتسهيل المساطر الإدارية أمام الشباب والمقاولين الذاتيين،
حتى لا تظل هذه المشاريع مجرد أرقام تُعلن في البلاغات، وتُجهض على أرض الواقع.
مكناس تقف اليوم أمام مفترق
طرق: إما تعزيز ثقة الشباب في آليات التنمية المحلية، عبر تحديث وتبسيط المساطر
وتوفير بيئة داعمة فعلًا، أو الاستمرار في دوران عجلة المبادرة دون نتائج ملموسة
تغير وجه الإقليم وتمنح الأمل لفئاته المقصية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك