أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي
قررت محكمة الاستئناف، يوم الثلاثاء 17 يونيو 2025، تأجيل النطق بالحكم في القضية المثيرة للجدل التي يتابع فيها الصحفي ومدير نشر موقع "بديل"، حميد المهدوي، إلى غاية 30 يونيو الجاري.
وجاء هذا القرار بعد جلسة وُصفت بـ"الحاسمة" في مسار المرحلة الاستئنافية، خُصصت لتقديم المرافعات الختامية من طرف دفاع المهدوي من جهة، ودفاع الطرف المدني الممثل لوزير العدل عبد اللطيف وهبي من جهة أخرى.
ووفق ما تم الإعلان عنه رسمياً، فقد قررت المحكمة حجز الملف للتأمل والمداولة، ما يعني أن هيئة الحكم تسعى إلى التعمق في مختلف جوانب الملف قبل إصدار القرار النهائي، وهو ما فتح الباب لتكهنات واسعة بشأن طبيعة الحكم المرتقب، وتداعياته على المشهد الإعلامي المغربي.
محطة استئنافية بعد حكم ابتدائي ثقيل
الملف يحظى بمتابعة واسعة من قبل الرأي العام الوطني، خاصة الأوساط الإعلامية والحقوقية، نظراً لطبيعة المتابعة التي يواجهها الصحفي حميد المهدوي، والمترتبة عن نشره مقاطع فيديو ومقالات تتناول قضايا تتعلق بوزير العدل، والتي اعتبرها الطرف المشتكي تحمل "تشهيراً وسباً وقذفاً علنياً".
وكانت المحكمة الابتدائية قد قضت، في نونبر 2024، بإدانة المهدوي بسنة ونصف سجناً نافذاً، مع أداء غرامة ثقيلة قدرها 150 مليون سنتيم كتعويض مدني لصالح عبد اللطيف وهبي، ما أثار موجة من الجدل داخل الجسم الصحفي، الذي اعتبر الحكم قاسياً وغير متناسب مع طبيعة الفعل الصحافي.
اتهامات بالتشهير أم دفاع عن حرية التعبير؟
يتابع المهدوي في هذا الملف وفقاً لمقتضيات القانون الجنائي، وليس قانون الصحافة والنشر، رغم كون القضية تتعلق بمحتوى إعلامي.
ويتعلق الأمر باتهامات بنشر "معطيات ووقائع غير صحيحة بهدف التشهير"، وهو ما يثير تساؤلات متجددة حول مدى التزام الدولة المغربية بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر، كما نص على ذلك قانون الصحافة الذي تمت المصادقة عليه منذ سنوات.
الملاحظون يرون أن المتابعة وفق القانون الجنائي تمثل عودة إلى منطق "تجريم التعبير"، في وقت يُفترض فيه أن يتم التعامل مع القضايا المرتبطة بالنشر في إطار القوانين الخاصة بالإعلام والصحافة، التي أُحدثت أصلاً للحد من التأويل الزجري.
الملف في سياق إعلامي وسياسي حساس
تأتي محاكمة حميد المهدوي في سياق عام يشهد توتراً متصاعداً حول واقع حرية التعبير والصحافة في المغرب.
فبعد تقارير متواترة من منظمات دولية، أبرزها "مراسلون بلا حدود" و"هيومن رايتس ووتش"، تُسجل فيها تراجعات على مستوى حرية الصحافة، تتعزز المخاوف من أن يكون ملف المهدوي بمثابة مؤشر جديد على هذا التراجع.
كما يتزامن المسار القضائي للقضية مع إعادة طرح ملفات لصحفيين بارزين في المغرب، سواء كانوا قيد المتابعة أو سبق لهم أن أدينوا في قضايا ترتبط مباشرة بعملهم الصحفي، وهو ما أعاد النقاش العمومي حول مدى استقلالية القضاء، وموقع حرية التعبير ضمن الأولويات الحقوقية للدولة.
الانتظار سيد الموقف: الأنظار تتجه نحو 30 يونيو
يبقى السؤال المطروح اليوم، بعد تأجيل النطق بالحكم، هو ما إذا كانت محكمة الاستئناف ستُخفف من العقوبة الصادرة ابتدائياً، أم ستُؤيدها كما هي، أو ربما تُصدر حكماً مختلفاً يأخذ بعين الاعتبار الضغط الحقوقي، والتوجهات الجديدة التي تطالب بمناخ أكثر حرية للصحفيين.
فالقضية تتجاوز شخص حميد المهدوي لتطرح تحدياً مؤسساتياً يتعلق بمدى قدرة المغرب على التوفيق بين احترام حرية الصحافة من جهة، وحق الأفراد والمؤسسات في اللجوء إلى القضاء من جهة أخرى، في بيئة ديمقراطية متوازنة.
وفي انتظار ما ستؤول إليه المداولات، يظل الصحفي المهدوي وموقعه "بديل" عنواناً لصراع متجدد بين سلطة الكلمة ومحدودية سقف التعبير، في مشهد إعلامي لا يزال يبحث عن توازن مفقود بين الحرية والمسؤولية.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك