أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
في خطوة تعبّر عن تنامي الوعي الأمني بالمخاطر التي تحيط بالمؤسسات التعليمية، كشفت وزارة الداخلية المغربية عن أرقام مثيرة للانتباه ضمن عمليات المراقبة الأمنية لمحيط المدارس خلال الأشهر الماضية.
ووفق معطيات رسمية، فقد أسفرت التدخلات الأمنية التي طالت الفضاءات القريبة من المؤسسات التعليمية عن توقيف ما مجموعه 9376 شخصًا، من بينهم 1814 قاصرًا، وذلك في سياق جهود وطنية حثيثة لحماية التلاميذ من مظاهر الانحراف والعنف وتفشي الجريمة.
قاصرين في قلب العاصفة
الرقم الصادم المتعلق بالقاصرين الموقوفين، والذين يُفترض أنهم جزء من منظومة التعليم أو في محيطها، يعكس جانبًا مقلقًا من واقع الطفولة والشباب بالمغرب. فهؤلاء القاصرون ليسوا فقط ضحايا محتملين لظواهر الانحراف، بل أصبح بعضهم طرفًا فيها. تُظهر هذه المعطيات أن العوامل الاقتصادية والاجتماعية، وكذا الفراغ التربوي والثقافي في بعض الأوساط، تُسهم في دفع العديد من القاصرين إلى مهاوي الجريمة، سواء كانت متعلقة بتعاطي المخدرات، أو العنف، أو السرقة، أو حتى الانخراط في شبكات ترويج الممنوعات.
أرقام تكشف حجم التحديات
من بين الموقوفين في محيط المدارس، بلغ عدد الأشخاص الذين تم ضبطهم في قضايا مرتبطة بالمخدرات حوالي 1380 شخصًا، مما يسلط الضوء على خطورة هذه الآفة التي باتت تهدد المؤسسات التربوية وتستهدف فئات عمرية هشّة. كما تم توقيف 126 شخصًا من ذوي السوابق القضائية، ما يطرح تساؤلات جدية حول عودة بعض الخارجين عن القانون إلى بيئة المدارس لترويج سلعهم أو استقطاب ضحاياهم.
المدارس بين واجب التعليم وحتمية الحماية
باتت المؤسسات التعليمية اليوم تواجه تحديًا مزدوجًا: التعليم من جهة، وتأمين محيطها من كل التهديدات الخارجية من جهة أخرى. فرغم الجهود التي تبذلها الأطر التربوية والإدارية، فإن الخطر يكمن خارج أسوار المدرسة، حيث يستغل المروجون ومثيرو الشغب ضعف المراقبة أو الهشاشة الأمنية في بعض الأحياء لاستقطاب التلاميذ نحو سلوكات منحرفة أو أنشطة غير قانونية.
في هذا السياق، أكدت وزارة الداخلية أن العمليات الأمنية تأتي في إطار استراتيجية شاملة لحماية الوسط المدرسي، تشمل تكثيف الدوريات الأمنية، وتعزيز التنسيق بين المصالح الأمنية والتربوية، إلى جانب إشراك المجتمع المدني والأسر في جهود الوقاية والتوعية.
دعم نفسي وتربوي غائب؟
لكن التحديات لا تُحل بالحلول الأمنية وحدها. فعدد من المختصين في علم الاجتماع والتربية يشددون على أن المقاربة الأمنية، رغم ضرورتها، يجب أن تتكامل مع مقاربة تربوية ونفسية تُعالج الأسباب العميقة لانحراف بعض القاصرين، بدل الاقتصار على معالجة مظاهر السلوك المنحرف.
غياب الدعم النفسي داخل المدارس، وندرة الأطر التربوية المتخصصة في التوجيه والإرشاد، وانعدام الأنشطة الثقافية والرياضية في بعض المؤسسات، تُعد من بين الأسباب التي تجعل التلميذ أكثر عرضة للضياع. فمحاربة الجريمة تبدأ من تمكين التلاميذ من بيئة حاضنة، محفزة، وقادرة على احتوائهم، وليس فقط من ملاحقة المجرمين على أبواب المدارس.
انخراط مجتمعي مطلوب
تتطلب حماية المدرسة من المخاطر المحيطة بها تضافر الجهود بين الدولة والمجتمع، وبين المؤسسات الأمنية والتربوية والمدنية. فالمحيط المدرسي ليس مجرد فضاء جغرافي، بل هو جزء من المنظومة التربوية الشاملة، وأي اختراق له هو تهديد مباشر لمستقبل الأجيال القادمة.
في هذا الصدد، ترى بعض الجمعيات النشيطة في المجال التربوي أن الوقت قد حان لإطلاق برامج وطنية كبرى لمواكبة الشباب المعرضين للانحراف، وتمكينهم من بدائل إيجابية من خلال الفن، والرياضة، وريادة الأعمال، والتطوع، والابتكار التكنولوجي، في أفق خلق جيل محصن بالقيم والمعرفة بدل تضييعهم في دوامة الجريمة والمخدرات.
نحو مدرسة بلا خوف
أمام هذه التحديات، تبدو الحاجة ماسة اليوم إلى تكريس صورة المدرسة كفضاء آمن، لا تتهدده المخاطر، ولا يحوم حوله الخوف، بل يبعث على الطمأنينة والثقة في المستقبل. فتحقيق هذا الهدف النبيل يستدعي إرادة سياسية، واستثمارًا تربويًا عميقًا، ومواكبة اجتماعية مستمرة. فقد أثبتت التجارب العالمية أن الأمن حول المدارس لا يتحقق فقط بالكاميرات والدوريات، بل أساسًا ببناء الثقة والاحتضان داخل الفصول وفي محيطها.
ويبقى السؤال العريض: هل تتجه السياسات التعليمية والأمنية نحو استراتيجية مستدامة تجعل من المدرسة المغربية قاطرة للتنمية، لا مجرد ساحة صراع مع مظاهر الانحراف؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك