أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
تشهد السواحل الإسبانية ضغطاً متزايداً بسبب تصاعد وتيرة الهجرة غير النظامية، حيث كشفت وزارة الأمن الداخلي الإسبانية في تقرير حديث عن تسجيل أكثر من 61 ألف مهاجر غير شرعي وصلوا إلى الأراضي الإسبانية عبر البحر خلال عام 2024، في ارتفاع جديد بنسبة 10.3% مقارنة بسنة 2023.
ويؤكد هذا التطور أن ملف الهجرة غير النظامية في غرب المتوسط لم يعد مجرد ظاهرة ظرفية، بل أصبح واقعاً يومياً يفرض تحديات أمنية وإنسانية متفاقمة على الضفتين.
المغرب ثان مصدر للهجرة غير النظامية نحو إسبانيا
من بين أبرز المعطيات التي كشفها التقرير، تصدر المغرب المرتبة الثانية من حيث عدد المهاجرين غير النظاميين الذين غادروا نحو إسبانيا خلال عام 2024، إذ بلغ عددهم أكثر من 13 ألف شخص. هذا الرقم يضع المغرب في صدارة بلدان شمال إفريقيا التي تنطلق منها موجات الهجرة، رغم كل المجهودات المبذولة من طرف السلطات المغربية في مراقبة الحدود ومكافحة شبكات الاتجار بالبشر.
أما المرتبة الأولى، فقد احتلتها موريتانيا التي شكلت نقطة انطلاق لأكثر من 25 ألف مهاجر نحو إسبانيا خلال السنة ذاتها، ما يعكس تحولاً استراتيجياً في خريطة الهجرة غير النظامية، خاصة عبر الطريق الأطلسي نحو جزر الكناري.
جزر الكناري تستقبل العبء الأكبر
بحسب التقرير الإسباني، فقد استقبل أرخبيل الكناري وحده أكثر من 46.843 مهاجراً غير نظامي خلال عام 2024، وهو ما يمثل نسبة 76% من مجموع الوافدين بحراً إلى إسبانيا. هذا الارتفاع بنسبة 17.4% عن السنة الماضية جعل الجزر الأطلسية في الواجهة، سواء من الناحية الأمنية أو من زاوية التدبير الإنساني للوافدين.
والمثير في معطيات التقرير هو ما تم تسجيله في جزر البليار، التي شهدت قفزة صادمة بنسبة 158.3% في عدد المهاجرين الواصلين، ما ينذر بتوسع جديد لمسالك الهجرة واستغلال وجهات لم تكن مألوفة سابقاً.
الجزائر والسنغال ضمن أبرز بلدان الانطلاق
في خريطة البلدان المصدّرة للهجرة غير النظامية، جاءت الجزائر في المرتبة الثالثة بعد المغرب، حيث سجل التقرير 12.038 حالة مغادرة نحو إسبانيا من سواحلها. بينما واصلت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء تسجيل أرقام مهمة، وعلى رأسها السنغال بـ8.970 مهاجراً، تليها غامبيا بـ1.943 مهاجراً، وغينيا بيساو بـ250 حالة، ما يبرز البعد الإفريقي المتنامي لهذه الظاهرة.
تغير جذري في مسارات الهجرة
البيانات الرسمية أشارت إلى أن المسار الأطلسي نحو جزر الكناري شهد ارتفاعاً بنسبة 18%، ما يعكس تزايد اعتماد شبكات التهريب على هذا الخط البحري المحفوف بالمخاطر، في وقت عرف المسار الغربي للمتوسط تراجعاً بنسبة 6%. ويُعزى هذا التحول إلى تشديد المراقبة على الحدود في كل من ليبيا وتونس، مما دفع المهربين إلى تعديل استراتيجياتهم والتوجه جنوباً نحو موريتانيا والسنغال وحتى المغرب كنقاط انطلاق بديلة.
تحديات مزدوجة ومسؤوليات مشتركة
ما تكشفه هذه الأرقام لا يقتصر فقط على تزايد حركة الهجرة غير النظامية، بل يعكس في العمق أزمة متعددة الأبعاد: اقتصادية، اجتماعية، وسياسية. فالمهاجرون، في غالبيتهم، يفرون من الفقر والبطالة وتردي الظروف المعيشية، بينما تواجه الدول المستقبلة، وعلى رأسها إسبانيا، صعوبات كبيرة في تدبير عمليات الإنقاذ، والاستقبال، والإيواء، والتكفل القانوني بهؤلاء الوافدين.
وفي هذا السياق، يطرح موضوع التعاون الإقليمي بين أوروبا ودول الجنوب ضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، خاصة في ظل تحول الهجرة غير النظامية إلى قضية أمنية عابرة للحدود، تتطلب مقاربة شاملة تمزج بين محاربة شبكات التهريب وتحقيق التنمية في بلدان المصدر.
التقرير الإسباني، وإن أضاء جوانب من الظاهرة، إلا أنه يترك الباب مفتوحاً أمام تساؤلات جوهرية: هل نحن أمام موجة هجرة جديدة غير مسبوقة؟ وهل سيظل المغرب ودول الجوار مجرد حائط صد؟ أم سيتم تجاوز الحلول الأمنية نحو مقاربات تنموية وإنسانية أكثر عمقاً وفعالية؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك