
أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي
في خطوة قانونية غير مسبوقة منذ سنوات، أعلنت مجموعة من الفعاليات المدنية والحقوقية، شهر يوليوز 2025، عن نيتها التوجه إلى المحكمة الدستورية للطعن في التعديلات الأخيرة التي أدخلها مجلس النواب على بعض مواد المسطرة الجنائية، معتبرة أن هذه التعديلات تُشكل "تهديداً لمبادئ العدالة وضمانات المحاكمة العادلة"، وتتعارض مع روح الدستور المغربي لسنة 2011 والمواثيق الدولية التي صادق عليها المغرب.
تعديلات مثيرة للجدل
وقد أثارت المصادقة البرلمانية الأخيرة على مشروع تعديل المسطرة الجنائية نقاشاً واسعاً داخل الأوساط الحقوقية والقانونية، خصوصاً أن بعض المقتضيات المضافة أو المعدلة تمس مباشرة ضمانات المتقاضين، منها ما يتعلق بتوسيع صلاحيات الضابطة القضائية في توقيف الأشخاص، وتمديد آجال الحراسة النظرية، أو تقييد شروط حضور المحامي خلال مراحل التحقيق الأولي.
واعتبرت المبادرة المدنية أن هذه التعديلات، وإن تم تمريرها تحت يافطة "تسريع وتيرة العدالة" أو "مكافحة الجريمة"، فإنها في جوهرها تعيد إنتاج مقاربة أمنية تُغلب منطق الدولة على منطق الحقوق والحريات، في وقت يُفترض فيه أن تكون الإصلاحات الجنائية متناغمة مع المعايير الدولية لحماية كرامة الأفراد وحرياتهم الأساسية.
المحكمة الدستورية كملاذ قانوني
وأشارت الهيئات الموقعة على المبادرة إلى أن لجوءها إلى المحكمة الدستورية ليس مجرد تصعيد رمزي، بل خطوة مؤسسية تهدف إلى مساءلة دستورية القوانين المعتمدة، وتكريس دور القضاء الدستوري في حماية الحقوق وصيانة التوازن بين السلطات. كما عبّرت عن أسفها من "تساهل المؤسسة التشريعية في تمرير نصوص لها انعكاسات مباشرة على الحريات الفردية، دون استشارة كافية مع الهيئات المهنية والحقوقية".
وأوضحت المبادرة أنها تعكف حاليًا على إعداد مذكرة قانونية مفصلة، ترتكز على تعارض بعض المقتضيات مع الفصول 23 و118 و120 من الدستور، والتي تنص على الحق في الحرية والأمان، وضمانات المحاكمة العادلة، وحق الدفاع. وتضيف أن هذه الخطوة تأتي انسجامًا مع حق المواطنين والمنظمات في تفعيل الرقابة الدستورية على القوانين، بما يعزز مبدأ الديمقراطية التشاركية المنصوص عليه دستوريًا.
مواقف متباينة داخل المشهد الحقوقي
وقد تباينت ردود الفعل حول هذه المبادرة، ففي حين رحب بها عدد من الفاعلين الحقوقيين واعتبروها نموذجًا للتفاعل المدني الإيجابي مع التشريع، حذرت جهات أخرى من "إعطاء طابع تأويلي مفرط لمقتضيات قانونية قد تكون ضرورية في محاربة بعض الظواهر الإجرامية المستجدة". لكن أصحاب المبادرة أصروا على أن "فعالية مكافحة الجريمة لا يجب أن تتم على حساب الحقوق الدستورية"، وأن دولة القانون تُقاس بمدى احترامها لحقوق الأفراد، لا فقط بقدرتها على الردع.
سياق سياسي وتشريعي حساس
يُذكر أن التعديلات الأخيرة جاءت في سياق حملة أوسع أعلنت عنها وزارة العدل منذ بداية السنة، تحت عنوان "تحديث العدالة الجنائية"، وشملت مشاريع متفرقة منها مدونة الأسرة، ومشروع القانون الجنائي، وميثاق المساعدة القانونية. غير أن تسريع المصادقة على مشروع تعديل المسطرة الجنائية تحديدًا، دون فتحه للنقاش العمومي الكافي، أثار علامات استفهام واسعة داخل المجتمع المدني، وأعاد فتح النقاش حول حدود السلطة التشريعية وواجباتها في احترام الدستور وروحه.
ترقب لقرار المحكمة الدستورية
وإذا قُبل الطعن من طرف المحكمة الدستورية، فإن ذلك سيفتح الباب أمام فحص دقيق لمضمون المواد المثيرة للجدل، كما سيوجّه رسالة قوية للمشرّع مفادها أن التشريع الجنائي لا يمكن أن يُبنى على حساب الحقوق الأساسية للمواطنين. ويبقى الرهان الأكبر على هذه المبادرة هو أن تُعيد التوازن بين متطلبات الدولة الحديثة في فرض النظام، وحماية الأفراد من أي تغوّل تشريعي قد يُفضي إلى تضييق الحريات باسم الأمن أو الفعالية الإدارية.
وفي انتظار رأي المحكمة الدستورية، يبقى التحدي الحقيقي في مدى التزام الدولة المغربية بمبادئ الديمقراطية الدستورية التي نص عليها دستور 2011، ليس فقط كشعارات، بل كممارسة فعلية تُحترم فيها آليات الرقابة، وتُصان من خلالها الكرامة الإنسانية، في كل نص يُكتب، وكل قانون يُمرر.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك