أنتلجنسيا المغرب:أيمن العيساوي
في خطوة توصف بالاستراتيجية وغير المسبوقة في قطاع الاتصالات المغربي، أعلنت كل من شركة "اتصالات المغرب" و"وانا كوربوريت" (المعروفة تجارياً بـ"إنوي") عن عزمهما إنشاء شركتين مشتركتين، في إطار توجه جديد يروم إحداث تغييرات عميقة في البنية السوقية، وتجاوز حالة التنافس التقليدي التي طبعت علاقة الفاعلين الرئيسيين في السوق المغربي لعقود.
هذا الإعلان الذي أثار تفاعلات واسعة في أوساط المال والأعمال، وحتى داخل الأوساط السياسية، يأتي في وقت يعرف فيه القطاع تحولات تقنية واقتصادية كبرى على المستوى الوطني والدولي، ووسط مطالب متزايدة بتوسيع الولوج إلى خدمات رقمية ذات جودة وتكلفة عادلة.
تفاصيل الاتفاق: نحو تقاسم البنية التحتية وخفض الكلفة
وفق المعطيات المتوفرة، يندرج هذا التقارب بين "اتصالات المغرب" و"وانا" ضمن خطة تهدف إلى ترشيد الاستثمار في البنية التحتية للاتصالات، وتسهيل عمليات تقاسم الشبكات والألياف البصرية والمعدات، بما يضمن رفع الجودة وتوسيع التغطية، لا سيما في المناطق القروية والنائية، التي طالما عانت من ضعف في خدمات الاتصال والأنترنت.
الشركتان تنويان من خلال هذه الشراكة خلق بنيتين منفصلتين لتدبير الشبكات، مع الإبقاء على استقلالية كل فاعل في تقديم خدماته للمستهلك النهائي. بمعنى أن الأمر لا يتعلق باندماج تجاري أو تنازلات في الحصة السوقية، بل بإطار تشاركي لتقليص النفقات وتعزيز الكفاءة التشغيلية، وهو توجه معمول به في عدة دول متقدمة.
الجهات التنظيمية تراقب عن كثب: هل سيتغير ميزان السوق؟
الوكالة الوطنية لتقنين الاتصالات (ANRT) تتابع الموضوع بدقة، باعتبارها الجهة التنظيمية المكلفة بضمان المنافسة العادلة وتوازن السوق. ومن المنتظر أن تخضع هذه الخطوة لتقييمات دقيقة من حيث مطابقتها لقانون المنافسة ومنع الاحتكار، خصوصاً في ظل هيمنة "اتصالات المغرب" على نسبة كبيرة من البنية التحتية والشبكات.
وقد أشار عدد من المحللين إلى ضرورة وضع ضمانات صارمة من طرف السلطات لتفادي أي تأثير سلبي على التنافسية أو على أسعار الخدمات، خصوصا في ظل احتقان شعبي مستمر من ارتفاع فواتير الإنترنت وضعف الجودة في بعض المناطق.
من المستفيد؟ الزبون المغربي في قلب الرهان
بالنظر إلى طبيعة المشروع، فإن المستهلك المغربي قد يكون من أكبر المستفيدين من هذه الشراكة، إذا ما تم تنفيذها وفق الشفافية المطلوبة والتنافسية البناءة. تقاسم البنية التحتية بين الفاعلين يمكن أن يؤدي إلى تخفيض الكلفة التشغيلية، ما قد ينعكس على الأسعار وتحسين الخدمات، كما سيعزز التغطية في المناطق الهامشية التي تعاني من "الفجوة الرقمية".
كما أن رفع الاستثمار في التكنولوجيا، مثل الجيل الخامس (5G)، والذكاء الاصطناعي في التدبير الشبكي، يمكن أن يعزز مكانة المغرب إقليمياً في مجال الاتصالات الذكية.
ردود فعل أولية: ترحيب حذر من الخبراء وتوجس من الجمعيات
فيما رحب بعض الخبراء الاقتصاديين بهذه الخطوة، واعتبروها "تحولاً إيجابياً" في مقاربة الاستثمار في قطاع الاتصالات، فإن جمعيات لحماية المستهلك طالبت بتوضيحات أكثر، محذّرة من إمكانية التواطؤ في الأسعار أو تبادل البيانات بين الفاعلين بما قد يضر بالخصوصية والمنافسة.
ويرى آخرون أن المغرب بحاجة إلى نموذج جديد في حكامة قطاع الاتصالات، يقوم على التشارك في البنية، والانفتاح على شركات جديدة فاعلة، وتقوية الإطار الرقابي والتشريعي بما يواكب دينامية السوق.
هل نحن على أعتاب ثورة رقمية جديدة؟
إحداث شركتين مشتركتين بين "اتصالات المغرب" و"وانا" يمكن أن يشكل منعطفاً تاريخياً في مشهد الاتصالات بالمغرب، إذا ما تم تدبيره بشفافية وتحت رقابة فعالة. غير أن نجاح التجربة رهين بقدرة الأطراف على التوفيق بين المصالح التجارية والرهانات الوطنية الكبرى، وعلى رأسها تقليص الفجوة الرقمية، وتمكين جميع المغاربة من ولوج خدمات اتصال رقمية عصرية، وذات جودة عالية.
إنه فصل جديد يُكتب في كتاب الاتصالات المغربي، وقد تكون فصوله القادمة حبلى بالمفاجآت، سواء على صعيد التحالفات، أو السياسات العمومية، أو تطور الذكاء الرقمي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك