أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا
توصلت جريدة "أنتلجنسيا
المغرب" بتصريح صحافي صادر عن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان
بمناسبة اليوم العالمي للعمال، تدق فيه ناقوس الخطر بشأن ما وصفته بالتردي المقلق
في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والنقابية، وسط ما تعتبره سياسة ممنهجة لتهميش
الطبقة العاملة وتقييد حقوقها. التصريح جاء تحت عنوان صريح: "من أجل جبهة
وطنية للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنقابية"، في إحالة واضحة
إلى الحاجة إلى تعبئة جماعية شاملة لوقف نزيف الحقوق وتدارك المسار.
ووسط أجواء مشحونة بالتحديات، عبّرت
العصبة عن تضامنها اللامشروط مع الطبقة العاملة المغربية، مبرزة أن تخليد فاتح ماي
لهذا العام يأتي في سياق محلي ودولي يزداد تعقيدًا، بفعل تفاقم الغلاء، وتصاعد
البطالة، واستمرار السياسات العمومية المنحازة ضد الفئات الهشة. وأشارت إلى أن
مؤشرات مؤسساتية وطنية ودولية تؤكد تدهور القدرة الشرائية واتساع رقعة الفقر، مما
يطرح علامات استفهام حول جدية الدولة في معالجة الأزمة البنيوية التي تخنق ملايين
العاملات والعمال.
ويؤكد التصريح أن الوضع لم يعد يحتمل
المزيد من التجاهل أو التسويف، في ظل ما وصفته العصبة بإخفاق الحوار الاجتماعي
وتراجع المكتسبات النقابية، مقابل تمرير قوانين تقيّد الحريات النقابية وتهدد
الاستقرار الاجتماعي. وتدعو العصبة في هذا الإطار إلى بناء جبهة اجتماعية واسعة
تُنقذ ما تبقى من مكتسبات، وتفتح أفقًا جديدًا لنضال يضمن العدالة الكاملة
والكرامة للجميع.
هذا نص التصريح الصحفي
كاملا:
التصريح الصحفي بمناسبة اليوم العالمي للعمال
من أجل جبهة وطنية للدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والنقابية
تحيي العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، ككل مكونات الحركة الحقوقية والنقابية عبر العالم، العيد الأممي للطبقة العاملة، فاتح ماي 2025، في سياق وطني ودولي بالغ التعقيد، يتسم بتعاظم التحديات الاجتماعية وتفاقم التدهور المعيشي، واستمرار السياسات العمومية القائمة على التقشف والانكماش الاجتماعي، وفي غياب إرادة حقيقية للإصلاح ضمن مناخ عام موسوم بتضييق متزايد على الحريات، وعلى رأسها الحريات النقابية والحق في التنظيم والعمل الجمعوي.
وإذ تحيي وتهنئ العصبة، بهذه المناسبة، الطبقة العاملة في المغرب وفي كل بقاع العالم، فهي تستحضر تاريخ النضال العمالي من أجل العدالة الاجتماعية والكرامة، وتؤكد التزامها الراسخ بمناصرة قضايا الطبقة العاملة المغربية، وتثبيت الحقوق الاجتماعية والاقتصادية كجزء لا يتجزأ من حقوق الإنسان الكونية، غير القابلة للتجزيء أو التراجع.
٠ الإخفاقات
الحكومية تزيد في نسب البطالة وتؤثر على وضع العمال
إن تدهور الأوضاع الاجتماعية واستفحال الغلاء، وانعكاسه على الوضع الاجتماعي في المغرب قد أضحت تؤكده مؤشرات صادرة عن مؤسسات وطنية ودولية، حيث سجلت المندوبية السامية للتخطيط، خلال سنة 2024، ارتفاعاً غير مسبوق في مؤشرات البطالة، لا سيما في صفوف الشباب والنساء، وتراجعاً في القدرة الشرائية، بسبب استمرار سياسة تحرير السوق دون رقابة صارمة على المضاربات واحتكار السلع والخدمات.
ولم تؤد البرامج الحكومية المعلنة إلى تخفيف الأعباء المعيشية على العاملات والعمال، بل تسببت سياسات الإعفاءات الضريبية غير العادلة، ورفع الدعم عن المواد الأساسية، في توسيع هوة التفاوت الاجتماعي، وترسيخ منطق الامتيازات، وغياب العدالة الجبائية التي نص عليها الفصل 39 من الدستور المغربي، والذي ينص على أن “الجميع يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية”.
٠إخفاق
الحوار الاجتماعي وتراجع المكتسبات
وتتابع العصبة بأسف عميق تعثر مسلسل الحوار الاجتماعي، الذي ظل في جوهره شكلياً وغير مُمَأسس، إذ لم يُفْضِ إلى مخرجات مهمة وملموسة ترتقي إلى مستوى تطلعات الطبقة العاملة، رغم تعدد جولات التفاوض بين الحكومة وبعض المركزيات النقابية، إذ ما زالت المطالب الأساسية، مثل الزيادة العامة في الأجور، والتخفيض من الضغط الجبائي، وتحسين التغطية الصحية، ومراجعة نظام التقاعد، تراوح مكانها، بينما تم تمرير قوانين تُقيد الحقوق، وعلى رأسها مشروع قانون الإضراب، الذي أعدته الحكومة في غياب توافق وطني، وبدون إشراك كافة الفرقاء الاجتماعيين والحقوقيين .
إن هذا السلوك الحكومي يتناقض صراحة مع مقتضيات الفصل 8 من الدستور، الذي يعترف بدور النقابات في الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية للفئات التي تمثلها، كما يشكل خرقاً لاتفاقيات العمل الدولية، وعلى الخصوص الاتفاقية رقم 87 بشأن الحرية النقابية، والاتفاقية رقم 98 بشأن الحق في التنظيم والمفاوضة الجماعية.
٠تآكل الحريات
النقابية وتنامي القمع النقابي
تسجل العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، بكامل القلق، استمرار الانتهاكات التي تطال النقابيين في أماكن العمل، حيث تُقابل محاولات التأسيس النقابي، في العديد من القطاعات، بالطرد التعسفي أو النقل التعسفي أو الحرمان من الترقية أو التهديد المباشر، في غياب حماية قانونية فعالة وغياب تطبيق صارم لمقتضيات مدونة الشغل، التي تنص في مادتها 9 على “عدم إمكانية اتخاذ أي إجراء تأديبي في حق الأجير بسبب انتمائه أو مشاركته في نشاط نقابي”.
ويتم هذا التضييق أحياناً بتواطؤ مكشوف بين بعض أرباب العمل والسلطات الإدارية، في استخفاف تام بمبدأ سيادة القانون، وبفصول الدستور المغربي، خاصة الفصل 29 الذي يكفل حرية تأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والحق في الإضراب.
٠الحق في
التنظيم والعمل الجمعوي: ولاية الرباط نموذجاً
إن مناسبة فاتح ماي باعتبارها يوما احتفاليا للعاملات والعمال، فهي بالضرورة محطة للوقوف على أهم الإنجازات والإخفاقات التي طبعت الشأن الحقوقي في بلادنا، وفي هذا السياق، لا يسع العصبة المغربية، إلا أن تستنكر بشدة استمرار ولاية جهة الرباط سلا القنيطرة في احتجاز وصل إيداع الملف القانوني للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان منذ أكثر من 300 يوم، في انتهاك فاضح للفصل 12 من الدستور، الذي ينص على أن “تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية”. كما تنص المادة الخامسة من ظهير 15 نونبر 1958 بشأن تأسيس الجمعيات، على أن وصل الإيداع يُسلم فورياً بعد التصريح، دون أن يُخضع لتقدير إداري.
إن هذا السلوك السلطوي ليس استثناءً، بل هو جزء من توجه عام نحو التضييق على الفعل المدني، وتحويل حرية تأسيس الجمعيات والحق في الممارسة النقابيّة من حق قانوني ودستوري إلى امتياز مشروط بمزاجية السلطة، ما يجعل المغرب في وضعية تنافٍ مع التزاماته الدولية، وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي ينص في مادته 22 على حق كل فرد في حرية تكوين الجمعيات والانضمام إليها.
٠إلغاء الفصل
288 من مجموعة القانون الجنائي... الآن
إننا في العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، نضم صوتنا إلى الأصوات الحرة التي تنادي بإلغاء الفصل 288 من مجموعة القانون الجنائي، لما يشكله من تهديد مباشر للحق في الإضراب والعمل النقابي، باعتباره يُجرم الإضراب ويُقيد حرية العمال في التعبير عن مطالبهم المشروعة، وهو ما يتنافى مع مقتضيات الدستور المغربي، لاسيما الفصل 29 الذي يكفل حرية الاجتماع وتأسيس الجمعيات والانتماء النقابي والإضراب. كما ندعو إلى إجراء إصلاح جذري وشامل لمدونة الشغل، بما يضمن ملاءمتها مع المقتضيات الدستورية، والقوانين التنظيمية، والتشريعات الوطنية الجديدة، وخاصة مع مشروع قانون الإضراب، بما يكرس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والحريات النقابية، ويعزز الحماية القانونية للأجراء، ويؤسس لعلاقات شغل متوازنة وعادلة، بعيدة عن منطق الردع والعقاب.
٠المطالب الحقوقية والاجتماعية الملحة
بناءً على
تشخيصها للوضع الاجتماعي والحقوقي بالمغرب، تسجل العصبة ما يلي:
1. استمرار
التفاوتات الاجتماعية والمجالية، خاصة بين العالمين الحضري والقروي، وغياب عدالة
توزيعية في الخدمات والفرص؛
2. انهيار
منظومة الحماية الاجتماعية، بالرغم من الإصلاحات المُعلنة، نظراً لضعف التغطية،
وهشاشة الخدمات، ونقص الكفاءات والتجهيزات في القطاعين العام والخاص؛
3. استمرار
هزالة الأجور في العديد من القطاعات، وخاصة في القطاع الفلاحي والخدماتي، وعدم
احترام الحد الأدنى للأجور؛
4. ضعف
الإنصاف الجبائي، حيث ما زالت الطبقة المتوسطة والفقيرة، خاصة الطبقة العاملة،
تتحمل العبء الضريبي الأكبر، في مقابل إعفاءات مفرطة لفائدة لوبيات اقتصادية؛
5. غياب
حماية قانونية للنساء العاملات، خاصة في القطاعات غير المهيكلة، واستمرار التحرش
والعنف الاقتصادي وعدم المساواة في الأجور؛
6. تفشي
البطالة وسط الشباب، بسبب ضعف السياسات العمومية في التشغيل، واستمرار منطق الريع
في التوظيف؛
7. عدم تنفيذ
اتفاقات الحوار الاجتماعي القطاعي، ما يُفرغ الحوار من محتواه ويقوض الثقة
المؤسساتية؛
8. محاصرة
العمل النقابي في القطاع الخاص، عبر الضغوطات والتهديدات والإجراءات الانتقامية؛
9. تأجيل
الإصلاحات الكبرى، مثل إصلاح مدونة الشغل والتقاعد، في غياب مقاربة تشاركية
حقيقية؛
10. توظيف
القضاء في تصفية الحسابات مع النشطاء النقابيين والحقوقيين، ما يهدد استقلالية
القضاء ويضرب دولة الحق والقانون.
وبناءً على
ما سبق، فإن العصبة:
* تؤكد أن
الحقوق الاقتصادية والاجتماعية جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان الكونية، وأن
النضال من أجل الشغل الكريم، والأجر العادل، والحماية الاجتماعية، هو في جوهره
دفاع عن الكرامة الإنسانية؛
* تدعو إلى
مأسسة الحوار الاجتماعي وجعله آلية دائمة وتشاركية وشاملة لكل النقابات الممثلة
واقعياً، بعيداً عن الإقصاء الانتقائي؛
* تطالب
الحكومة بـوقف كل أشكال التضييق على الحريات النقابية والجمعوية، وإلغاء كل
الإجراءات التي تقيد الحق في التنظيم والإضراب؛
* تدعو إلى
الإفراج الفوري عن كافة وصولات الإيداع الخاصة بالجمعيات، وفي مقدمتها ملف العصبة
المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان؛
* تطالب
بـإطلاق إصلاحات تشريعية شاملة لمنظومة الشغل، تراعي المعايير الدولية وتصون
مكتسبات الطبقة العاملة؛
* تؤكد رفضها
المطلق للتطبيع مع الكيان الصهيوني، خاصة التطبيع الاقتصادي وفتح السوق المغربية
أمام المستثمرين الصهاينة، وتدعو إلى دعم نضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال
والعدوان؛
* تدعو إلى تعزيز جبهة حقوقية واجتماعية وطنية، تضم النقابات والجمعيات والمنظمات الحقوقية، لمواجهة التراجعات الخطيرة، والدفاع عن الحقوق الاجتماعية وحرية التعبير والتنظيم.
إن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، إذ تؤكد وفاءها لرسالتها النضالية، وتجدد التزامها المبدئي واللامشروط بقضايا الطبقة العاملة المغربية، فإنها تعتبر أن تخليد فاتح ماي يجب أن يتحول إلى لحظة نضالية لتجديد التعبئة الجماعية، من أجل فرض الإصلاح العادل، ومواجهة السياسات اللاديمقراطية، وبناء دولة الحق والمؤسسات التي تُعلي من قيمة الإنسان وكرامته.
الرباط، فاتح
ماي 2025
ملتزمون بالدفاع عن حقوق الإنسان
المكتب
المركزي
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك