أنتلجنسيا المغرب:حمان ميقاتي
تواصل السلطات الصحية في المغرب
جهودها المكثفة لمكافحة داء الحصبة، الذي عاد ليشكل تهديدًا صحيًا في بعض المناطق،
وسط تحذيرات من مخاطره على الفئات الهشة، خاصة الأطفال. ومع تزايد الحالات المسجلة
خلال الأشهر الأخيرة، أطلقت وزارة الصحة سلسلة من التدابير الوقائية والاستباقية
تهدف إلى الحد من انتشار المرض وضمان تحصين واسع النطاق للسكان المعرضين للخطر.
اعتمد المغرب استراتيجية شاملة تركز
على التلقيح المكثف، حيث أطلقت حملات وطنية تستهدف الأطفال دون سن الخامسة،
والفئات غير المحصنة بشكل كافٍ. وتحرص الفرق الطبية على الوصول إلى المناطق
القروية والنائية عبر وحدات متنقلة، لضمان تغطية صحية شاملة. هذه الحملات تلقى
دعمًا كبيرًا من المنظمات الصحية الدولية، التي تشيد بجهود المغرب في التصدي
للأمراض المعدية.
لم تقتصر الجهود على التلقيح فقط، بل
شملت أيضًا تعزيز المراقبة الوبائية لرصد أي بؤر انتشار جديدة. وتم تكثيف الفحوصات
الطبية داخل المستشفيات والمراكز الصحية، مع فرض إجراءات مشددة على المصابين
والمخالطين لهم لمنع انتقال العدوى. كما تم وضع بروتوكولات علاجية صارمة للتعامل
مع الحالات المسجلة، خاصة لدى الأطفال الذين يعانون من ضعف المناعة.
تدرك السلطات أن نجاح هذه الجهود
يعتمد على رفع وعي المواطنين، لذلك أطلقت حملات توعوية عبر مختلف وسائل الإعلام
ومنصات التواصل الاجتماعي، تحث الأسر على الالتزام بالتلقيح، وتوضح خطورة المرض
وأعراضه وطرق انتشاره. وتمت تعبئة الأطر الطبية والتربوية لنشر الوعي داخل المدارس
والمؤسسات التعليمية، باعتبارها من أكثر الأماكن عرضة لتفشي المرض بين الأطفال.
التحركات الرسمية لم تكن وحدها في
الميدان، فقد انخرط المجتمع المدني بشكل فاعل في دعم الجهود الصحية، عبر تنظيم
حملات تحسيسية في الأحياء الشعبية والأسواق والمساجد، لمخاطبة الفئات غير
المستهدفة بالإعلام الرقمي. كما تم تعزيز التنسيق مع الأطباء والممرضين في القطاع
الخاص لضمان التبليغ الفوري عن أي حالات يشتبه في إصابتها بالحصبة.
وفي ظل استمرار خطر تفشي المرض، شددت
السلطات الصحية المراقبة على الحدود والموانئ والمطارات، لمنع دخول حالات مصابة من
الخارج. وتم تفعيل نظام تتبع للحالات الوافدة، مع فحص طبي دوري للمهاجرين
واللاجئين لضمان عدم وجود بؤر خفية للعدوى. هذه التدابير جاءت استجابة لتحذيرات
منظمة الصحة العالمية التي دعت إلى تشديد الرقابة على السفر في ظل تنامي انتشار
الحصبة عالميًا.
يعد المغرب من الدول التي حققت نجاحات
كبيرة في مكافحة الأمراض المعدية بفضل برامج التلقيح الموسعة التي اعتمدها لعقود،
حيث ساهمت هذه الاستراتيجيات في القضاء على العديد من الأوبئة. لكن التراخي في
التلقيح خلال بعض الفترات، إلى جانب العوامل المناخية والهجرة، ساهم في عودة ظهور
بعض الأمراض التي كان يُعتقد أنها باتت تحت السيطرة، مثل الحصبة التي عادت لتفرض
نفسها كأولوية صحية.
إضافة إلى الإجراءات العاجلة، تعمل
السلطات الصحية على تحديث برنامج التلقيح الوطني، بهدف تعزيز الجرعات الوقائية،
خصوصًا في المناطق التي سجلت أعلى نسب الإصابة. ويتم التنسيق مع المدارس والمراكز
الصحية المحلية لضمان تلقيح جميع الأطفال في سن الدراسة، مع توفير جرعات إضافية
للأطفال الذين لم يتلقوا التلقيح في وقته المحدد.
الجهود المبذولة لم تقتصر على
التدابير الوقائية، بل شملت أيضًا تحسين قدرات المستشفيات على استقبال الحالات
المصابة، عبر توفير الأدوية الضرورية والعلاجات الداعمة. كما تم توسيع وحدات
العناية المركزة للأطفال الذين يعانون من مضاعفات خطيرة للمرض، لضمان تقديم
الرعاية اللازمة في أسرع وقت ممكن.
رغم هذه الجهود، لا تزال بعض التحديات
قائمة، خاصة في الأوساط القروية التي يصعب الوصول إليها بسهولة. ضعف الوعي الصحي
في بعض المناطق، وانتشار معلومات مغلوطة عن التلقيح، يشكلان عقبة أمام تحقيق
المناعة الجماعية المطلوبة. لذلك، تعمل السلطات على تكثيف الحملات التوعوية وضمان
توفر اللقاحات في جميع المراكز الصحية، مع اعتماد حلول مبتكرة للوصول إلى الفئات
التي يصعب تلقيحها.
تشير التقارير الرسمية إلى أن معدلات
الإصابة بدأت في التراجع بفضل التدخلات السريعة، لكن المسؤولين يؤكدون أن الحذر لا
يزال مطلوبًا لمنع أي موجة جديدة. فانتشار الحصبة في بعض الدول المجاورة يجعل
المغرب في حالة تأهب دائم، خاصة مع كثافة التنقلات عبر الحدود، مما يستدعي
الاستمرار في اليقظة الوبائية.
تعتبر الحصبة من الأمراض الفيروسية
شديدة العدوى، ويمكن أن تؤدي إلى مضاعفات خطيرة، خصوصًا لدى الأطفال دون الخامسة
وكبار السن. ومع أن اللقاح يظل الوسيلة الأنجع للوقاية، فإن تعزيز النظافة العامة
والالتزام بالتدابير الاحترازية يلعبان دورًا أساسيًا في الحد من انتشار العدوى،
وهو ما تحرص وزارة الصحة على التأكيد عليه في جميع بياناتها.
الرهان اليوم لا يقتصر فقط على القضاء
على الحصبة، بل يشمل تعزيز النظام الصحي المغربي ليكون أكثر قدرة على مواجهة أي
طارئ وبائي مستقبلي. فالنجاحات التي تحققت في مواجهة الجائحة العالمية الأخيرة
أكدت أهمية الجاهزية والاستجابة السريعة، وهو النهج الذي تسعى السلطات الصحية إلى
ترسيخه في مواجهة جميع الأمراض المعدية.
ومع استمرار الجهود الصحية
والمجتمعية، تبقى المسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطنين لضمان القضاء التام على
الحصبة. فالالتزام بتلقيح الأطفال، والتبليغ عن أي حالات مشتبه بها، والتعاون مع
الفرق الطبية، كلها عوامل حاسمة لإنجاح هذه الحملة الوطنية، التي تهدف إلى حماية
صحة الأجيال القادمة وضمان بيئة خالية من الأمراض المعدية.
المغرب، الذي كان نموذجًا في مكافحة
الأوبئة بفضل سياساته الصحية الفعالة، يواصل اليوم معركته ضد الحصبة بإصرار كبير.
وبفضل تضافر جهود الجميع، يبدو أن البلاد في طريقها للحد من هذا المرض وضمان
مستقبل صحي آمن لمواطنيها، في إطار رؤية شاملة تعزز مكانتها كدولة رائدة في المجال
الصحي على الصعيدين الإفريقي والدولي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك