المغرب بين وعود الازدهار وواقع التفاوت الاجتماعي..كيف عمّقت سياسات أخنوش أزمة اللامساواة؟

المغرب بين وعود الازدهار وواقع التفاوت الاجتماعي..كيف عمّقت سياسات أخنوش أزمة اللامساواة؟
تقارير / الاثنين 03 مارس 2025 - 14:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس

على الرغم من الخطابات المتفائلة التي تروج لها حكومة عزيز أخنوش منذ توليها السلطة في 2021، لا يزال المغاربة يواجهون واقعًا اقتصاديًا متدهورًا وارتفاعًا مهولًا في تكاليف المعيشة.

فبينما يتحدث المسؤولون عن تحقيق نسب نمو اقتصادي مستقرة، تزداد الهوة بين الأغنياء والفقراء، ويشعر المواطن البسيط بأن الرفاهية التي وُعد بها لا تزال بعيدة المنال.

فكيف ساهمت سياسات الحكومة الحالية في تفاقم اللامساواة؟ وما هي التداعيات الحقيقية لهذه الأزمة على المجتمع المغربي؟

أرقام متفائلة مقابل واقع متأزم

تُروج حكومة عزيز أخنوش لمؤشرات اقتصادية توحي بأن البلاد تسير في مسار إيجابي، لكن هذه الأرقام لا تعكس حقيقة الوضع المعيشي للمغاربة.

إذ لا تزال القدرة الشرائية تتراجع، ويشعر المواطنون بوطأة التضخم وارتفاع الأسعار في مختلف القطاعات، من الغذاء إلى السكن، ومن التعليم إلى الصحة.

الطبقات الوسطى، التي كانت تشكل سابقًا دعامة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، بدأت تنكمش بشكل خطير، حيث يجد كثير من الأسر التي كانت تعيش بمستوى مقبول نفسها اليوم تكافح من أجل تغطية أبسط حاجياتها اليومية.

أما الفئات الهشة، فقد أصبحت أكثر عرضة للغرق في دوامة الفقر، نتيجة غياب سياسات اجتماعية ناجعة تعزز الحماية الاجتماعية وتضمن توزيعًا أكثر عدالة للثروة.

السياسات الحكومية..انحياز للأقوياء وتجاهل للضعفاء

منذ تشكيلها، وعدت حكومة عزيز أخنوش بالعمل على تحسين أوضاع المواطنين، لكنها في الواقع كرست منطق الامتيازات لفئة محددة، خاصة رجال الأعمال والمقاولات الكبرى، على حساب باقي فئات المجتمع.

فقد شهد المغاربة خلال السنتين الماضيتين قرارات وسياسات لم تكن تصب إلا في صالح أصحاب النفوذ الاقتصادي، بدءًا من تحرير الأسعار دون رقابة، مرورًا بتسهيلات ضريبية للمقاولات الكبرى، وصولًا إلى غياب دعم حقيقي للأسر محدودة الدخل.

في المقابل، أدت هذه الخيارات السياسية إلى ارتفاع كلفة المعيشة، حيث تضاعفت أسعار العديد من المواد الأساسية، من زيت المائدة إلى الحبوب، ومن اللحوم إلى المحروقات، دون أن ترافقها إجراءات تخفيفية حقيقية لصالح المواطنين.

اللامساواة المجالية..مدن الأضواء في مقابل مناطق النسيان

يتجلى التفاوت الاجتماعي في المغرب أيضًا على المستوى الجغرافي، حيث تظل التنمية متركزة في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط ومراكش، في حين تعاني المناطق القروية من نقص حاد في البنية التحتية والخدمات الأساسية. فلا تزال قرى بأكملها تعيش في عزلة تامة، تفتقر إلى المستشفيات والمدارس والطرقات، بينما توجه الاستثمارات إلى مشاريع فاخرة في المدن الكبرى، تخدم أساسًا الطبقة الميسورة.

هذا الواقع يزيد من تعميق الهوة بين المغاربة، حيث يحظى سكان المناطق الحضرية بإمكانيات أكبر للحصول على فرص تعليمية وصحية أفضل، بينما يُترك سكان القرى والمناطق النائية لمواجهة مصيرهم بأنفسهم، مما يكرس دائرة الفقر والتهميش.

التعليم والصحة..خدمات للأغنياء فقط؟

في بلد يفترض أن يكون التعليم والصحة حقين أساسيين لكل مواطن، أصبح الحصول على خدمة جيدة في هذين القطاعين امتيازًا مقتصرًا على من يملك القدرة المالية.

فقد تراجع مستوى التعليم العمومي بشكل ملحوظ، مع نقص حاد في الأطر التربوية، وضعف البنية التحتية، ما يدفع الأسر إلى اللجوء إلى التعليم الخصوصي رغم تكاليفه الباهظة.

أما على مستوى الصحة، فالوضع لا يقل كارثية، حيث تعاني المستشفيات العمومية من الاكتظاظ ونقص التجهيزات والموارد البشرية، مما يدفع الكثيرين إلى اللجوء للقطاع الخاص الذي تحول إلى سوق مفتوحة أمام من يستطيع الدفع فقط.

وهو ما يعمّق من إحساس المواطن البسيط بالغبن، إذ يرى أن الخدمات الأساسية أصبحت متاحة فقط لمن يملك المال، بينما يضطر الباقون إلى تحمل المعاناة أو البحث عن حلول بديلة، قد تكون أحيانًا مأساوية.

الشباب المغربي..بين البطالة والهجرة

لم تقتصر نتائج هذه الأزمة على التأثير المباشر على مستوى معيشة الأسر، بل امتدت لتصيب الشباب المغربي في طموحاته وأحلامه.

فقد أصبحت البطالة واقعًا مأساويًا يلاحق الآلاف من الشباب، خاصة خريجي الجامعات، الذين يجدون أنفسهم عاطلين عن العمل رغم كفاءاتهم.

وبدلاً من توفير حلول ناجعة لاستيعاب هؤلاء الشباب داخل سوق الشغل، نجد أن الحكومة الحالية تفتقر إلى سياسات حقيقية تضمن إدماجهم في الاقتصاد الوطني.

وهو ما يدفع الكثيرين إلى البحث عن مستقبلهم خارج البلاد، حيث ارتفعت معدلات الهجرة السرية، وحتى الهجرة القانونية، في ظل فقدان الأمل في الحصول على حياة كريمة داخل الوطن.

الحلول الموعودة.. هل تستطيع حكومة أخنوش تصحيح المسار؟

في مواجهة هذا الواقع الصعب، يبقى السؤال الأهم: هل تملك حكومة عزيز أخنوش القدرة على تصحيح المسار؟ أم أن سياساتها ستزيد من تعميق الأزمة؟

رغم إطلاق بعض البرامج مثل "فرصة" لدعم الشباب أو "أوراش" لتوفير فرص عمل مؤقتة، إلا أن هذه المبادرات لا تزال محدودة الأثر، حيث لم تنجح في معالجة الأسباب العميقة للمشكلة، مثل غياب استراتيجية اقتصادية واضحة، والاعتماد المفرط على الحلول الترقيعية بدلاً من الإصلاحات الهيكلية.

إذا لم يتم اتخاذ إجراءات فورية تعيد التوازن للاقتصاد، مثل فرض ضرائب عادلة على الشركات الكبرى، وضبط الأسعار، وتحسين جودة الخدمات العمومية، فإن المغرب قد يكون مقبلًا على مرحلة أكثر تعقيدًا، حيث ستزداد التوترات الاجتماعية، وسيتسع الفارق بين الفئات الميسورة والطبقات المهمشة.

أي مستقبل ينتظر المغاربة؟

اليوم، يعيش المغرب على إيقاع تفاوت اجتماعي صارخ، حيث يجد المواطن العادي نفسه غارقًا في أزمات اقتصادية خانقة، بينما تستمر فئة صغيرة في الاستفادة من الامتيازات دون حسيب أو رقيب. وبينما يتحدث المسؤولون عن تحقيق النمو والاستقرار، يزداد الإحساس لدى المغاربة بأن الوعود الحكومية ليست سوى شعارات جوفاء، لا تعكس واقعهم اليومي.

في ظل هذه المعطيات، يبقى التحدي الأكبر هو القدرة على تحقيق عدالة اجتماعية حقيقية، تضمن لكل مغربي الحق في العيش الكريم، بدلًا من أن يظل الوطن مجرد مسرح تتعايش فيه طبقتان متناقضتان: طبقة تملك كل شيء، وأخرى تكافح فقط من أجل البقاء.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك