أنتلجنسيا المغرب:أبو جاسر
في مشهد غير مسبوق في تاريخ العلاقات الدولية، باتت اللقاءات الدبلوماسية في البيت الأبيض أشبه بمحاكمات علنية، حيث يُستدعى قادة دول، رؤساء حكومات، ووزراء خارجية ليخضعوا لجلسات توبيخ وتلقين أمام عدسات الكاميرات.
صورة ترسم ملامح نظام عالمي جديد، لا تحكمه المواثيق ولا الأعراف، بل منطق القوة المجردة، حيث لم تعد هناك كلمة تعلو على السطوة السياسية والعسكرية لأمريكا.
واشنطن: منبر التأنيب العلني
شهدت السنوات الأخيرة تحول البيت الأبيض من منصة للحوار والشراكة إلى ساحة لتوبيخ الحلفاء قبل الأعداء.
مشاهد عديدة من اجتماعات رسمية تحولت إلى مساحات استعراض للنفوذ الأمريكي، حيث يجلس القادة المستدعون في وضع أقرب إلى المتهمين، يتلقون اللوم والتوبيخ بسبب قرارات أو مواقف لم تنل رضا واشنطن.
فمشهد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وهو يخرج مكفهراً بعد لقائه بنظيره الأمريكي، أو امتعاض المستشار الألماني أولاف شولتز بعد تلقيه دروساً في الالتزام بالتحالفات العسكرية، أو حتى الطريقة التي تم بها الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي في لحظة خلاف، كلها صور تكرس قاعدة جديدة: البيت الأبيض لم يعد مكاناً للندوات الدبلوماسية، بل ساحة لاستدعاء "المارقين" ليتعلموا دروس الولاء.
التحالفات لم تعد كافية.. الولاء المطلق هو المطلوب
لطالما كانت العلاقات الدولية تقوم على مبدأ المصالح المشتركة والتوازنات، لكن يبدو أن السياسة الخارجية الأمريكية انتقلت إلى مرحلة جديدة: إما أن تكون تابعاً مطلقاً، أو تتحمل العواقب.
فلم يعد الحلفاء التقليديون في منأى عن الضغوطات، فحتى أقرب الأصدقاء كأوروبا، اليابان، وحتى كندا، أصبحوا معرضين للعقوبات الاقتصادية أو التهديدات السياسية إذا لم يلتزموا حرفياً بأجندة واشنطن.
أما الدول التي تحاول الحفاظ على شيء من الاستقلالية، فإنها تجد نفسها محاصرة بسلسلة من الضغوط الاقتصادية، السياسية، وأحياناً العسكرية، حيث لم تعد واشنطن تتسامح مع "التمرد" ولو كان خجولاً. لم يعد هناك مكان للحوار، بل منطق وحيد: "إما معنا أو ضدنا".
الصين وروسيا..عالمان آخران خارج الهيمنة
في مواجهة هذا النهج، بدأ يتبلور محور مضاد تقوده الصين وروسيا، حيث ترفض بكين أن تكون مجرد تابع اقتصادي للولايات المتحدة، وتسعى إلى خلق نظام اقتصادي بديل يحد من هيمنة الدولار الأمريكي، بينما تعتمد موسكو على قوتها العسكرية لاستعادة مكانتها كقوة عظمى، رغم العقوبات والحصار.
حالة الاستقطاب هذه بدأت تُرخي بظلالها على العالم، حيث تضطر الدول إلى الاصطفاف خلف أحد المعسكرين. أما الدول التي تحاول انتهاج سياسة عدم الانحياز، فتجد نفسها في موقف صعب، حيث الضغوط من الجانبين تُجبرها على اتخاذ قرارات لم تكن يوماً مضطرة لاتخاذها.
إلى أين يتجه العالم؟
السؤال المطروح اليوم: من سيغامر بالذهاب إلى البيت الأبيض ليجلس أمام الكاميرات ويتلقى التأنيب؟ من سيقبل أن يُعامل كرئيس مقاطعة وليس كزعيم دولة؟
العالم اليوم أمام مشهد غير مسبوق، حيث لا يبدو أن هناك أي قوة قادرة على ضبط إيقاع السياسة الدولية وفق توازنات منطقية.
فنظام الغاب هو الذي يحكم: الأقوى يفرض كلمته، والبقية عليهم السمع والطاعة، أو مواجهة العواقب.
في ظل هذه الظروف، لا يبدو أن أحداً سيغامر بسهولة بقبول دعوة إلى البيت الأبيض، إلا إذا كان مستعداً لدفع الثمن السياسي المطلوب.. أو تلقّي العقاب العلني!
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك