شبكة سرية تُهندس الرأي العام وتخوض الانتخابات في الظل لصالح حزب رئيس الحكومة

شبكة سرية تُهندس الرأي العام وتخوض الانتخابات في الظل لصالح حزب رئيس الحكومة
سياسة / الخميس 04 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

على مدى أكثر من أربع سنوات، تعمل في الخفاء شبكة واسعة من الحسابات الوهمية داخل المغرب وخارجه، مهمتها الأساسية ليست النقاش العمومي ولا التعبير الحر، بل توجيه الرأي العام نحو مسار واحد، وهو دعم حزب رئيس الحكومة الحالي عزيز أخنوش، والتأثير على الانتخابات عبر حملات منسقة تستهدف خصومه السياسيين، وتضخّم صورته داخل المشهد السياسي والإعلامي.

إنها ليست مجرد عملية “تطبيل إلكتروني” عفوية، بل منظومة متكاملة تُدار باحترافية، وتمتد جذورها إلى مقرات اتصال، وشركات تسويق، وخلايا مهمتها التشويش على أي صوت معارض، ومحاولة صناعة وعي سياسي بديل يخدم مصالح حزب واحد.

شبكات تعمل بصمت ولكنها تترك آثاراً واضحة

وفق معطيات تتقاطع بين خبراء الإعلام الرقمي وفاعلين سياسيين، فإن هذه الشبكة بدأت نشاطها المنظم حوالي سنة 2020، أي في الفترة التي بدأ فيها حزب التجمع الوطني للأحرار حملة صعود غير مسبوقة، سواء عبر الإعلانات أو عبر حضور ضخم في المنصات الرقمية.

ومع اقتراب انتخابات 2021، ظهرت موجة غير طبيعية من الحسابات المجهولة التي:

تهاجم خصوم الحزب، خصوصاً الأحزاب المعارضة أو المنافسة داخل المشهد الليبرالي.

تدافع بشكل مبالغ فيه عن كل خطوة حكومية.

تهاجم الصحافيين ومنتقدي رئيس الحكومة.

تصنع “ترندات” يومية لإعادة تدوير رسائل سياسية.

تنشر أخباراً مضللة تستهدف تشويه المعارضة أو الناشطين.

بحثا عن تأثير حقيقي على نقاشات سياسية، كانت تبدو في ظاهرها عفوية، لكنها في الحقيقة موجهة مسبقاً.

من يدير هذه الحسابات؟

رغم غياب اعتراف رسمي، فإن مصادر سياسية تتحدث عن غرف اتصالية مرتبطة بمحيط حزب رئيس الحكومة، تعمل بطريقة تشبه جيوش البوتات في بعض دول الشرق الأوسط وآسيا.

فهذ الحسابات:

تُدار من نفس المناطق الجغرافية.

تشتغل بنفس الأسلوب اللغوي.

تُعيد نشر نفس المحتوى في نفس اللحظة.

تُهاجم نفس الخصوم بنفس العبارات.

تعتمد صوراً مكررة أو مسروقة من الإنترنت.

إنها ليست مبادرات فردية، بل آلة مدعومة وهي جزء من استراتيجية انتخابية مستمرة.

التضليل كأداة سياسية

الخطير في نشاط هذه الشبكات ليس حجمها فقط، بل نوعية المحتوى الذي تنتجه:

أخبار مفبركة عن سياسيين معارضين.

ادعاءات حول فساد خصوم انتخابيين دون أدلة.

تضخيم إنجازات غير موجودة للحكومة.

تزوير صور أو مقاطع سياقية.

تشويه أصوات مستقلة تعتبر “مزعجة” للمخزن أو للحزب المسيطر على الحكومة.

إننا أمام نموذج تضليل سياسي يعيد إنتاج رواية واحدة:“الحزب في السلطة هو المنقذ، والمعارضة ليست سوى أعداء النجاح”.

تأثير مباشر على الانتخابات وخطر على الديمقراطية

تُجمع جهات متعددة على أن تأثير هذه الحسابات لم يكن رمزياً، بل لعب دوراً في:

توجيه التصويت خلال انتخابات 2021.

خلق صورة زائفة عن شعبية معينة.

تدمير صورة أحزاب ومرشحين قبل الحملة الرسمية.

الضغط على الناخبين عبر حملات تخويف رقمية.

صناعة رأي عام مُعلّب يحتاجه الحزب لتبرير تفوقه.

بمعنى آخر:السياسة تُمارس اليوم على الفيسبوك أكثر مما تُمارس في الميدان، لكن الفضاء الرقمي لم يعد فضاءً حراً؛ لقد تحول إلى ميدان حرب سياسية تُحكمه حسابات مجهولة.

عندما يتحول الفيسبوك إلى وزارة إعلام موازية

الحسابات الوهمية لا تعمل وحدها، بل تُختبر قبل إطلاقها عبر:

مجموعات “واتساب” مغلقة

توجيهات يومية عن الكلمات المفتاحية

توزيع مهام لكل حساب

تحديد الخصوم الواجب استهدافهم

إعداد حملات نفسية دقيقة لخلق رأي عام مصطنع

فالغاية ليست فقط التأثير، بل صناعة مناخ سياسي تخدمه الدولة العميقة من تحت الطاولة، ويستفيد منه الحزب القوي داخل الحكومة.

من الخاسر؟المجتمع… والمعارضة… والديمقراطية نفسها

هذه الحرب الرقمية تُنتج عدة نتائج خطيرة:

إفساد المجال العام عبر تحويله إلى مستنقع شتائم ودعاية.

تحييد المعارضة عبر إغراقها في موجات سبّ وتشويه.

تضليل المواطن وإغراقه في روايات سياسية منحازة.

إضعاف المؤسسات لأن القرار يصبح مبنيًا على “الشعبية الرقمية” وليس الحقائق.

قتل الأمل لدى الشباب الذين يجدون أنفسهم أمام مشهد مشوه بالكامل.

حلقة في منظومة تحكم أكبر

هذه الشبكات ليست مبادرة من حزب واحد فقط.بل هي جزء من منظومة التحكم السياسي التي:

تراقب الفضاء الرقمي

تتحكم في الخطاب العام

تصنع “ترندات” حسب الحاجة

تهيّئ الأرض لقرارات سياسية غير شعبية

وتشكل صورة زائفة عن الإجماع حول الحكومة

إنها أذرع رقمية للمخزن السياسي تُستعمل حين يحتاجها، ويتم إخمادها عندما تتحقق الأهداف.

ديمقراطية تُدار بالحسابات الوهمية لا بالصناديق

عندما تصبح السياسة رهينة “بوتات” وحسابات بلا وجوه، فهذا يعني شيئاً واحداً:الرأي العام لم يعد ملكاً للمغاربة، بل للشبكات التي تصنعه لصالح من يحكم.

إن استمرار هذه الظاهرة يهدد:

شفافية الانتخابات

نزاهة الحياة السياسية

ثقة المواطن في المؤسسات

وحتى مستقبل الديمقراطية نفسها

ولذلك، فإن السؤال الذي يجب طرحه اليوم ليس:“من يدير هذه الحسابات؟”بل:“لماذا تُترك تعمل بهذه القوة دون محاسبة؟ ومن المستفيد من استمرارها؟”

والجواب واضح:من يملك السلطة ومن يسعى للبقاء فيها.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك