أنتلجنسيا المغرب:أبو فراس
خلال هذا الأسبوع، برز مجدداً سؤال محوري في المشهد السياسي المغربي: من يحكم فعلاً؟ فبينما ظلّت الحكومة تُقدّم تبريرات باهتة حول القرارات الاقتصادية المثيرة للجدل، تحرّكت لوبيات المال في الخلفية بوتيرة أعلى، ضاغطة، موجِّهة، ومؤثرة في السياسات العمومية أكثر من أي مؤسسة منتخبة.
الأيام الأخيرة أظهرت بوضوح أن مراكز النفوذ ليست فقط جزءاً من اللعبة السياسية، بل أصبحت اللاعب الأكثر تأثيراً في تحديد الأولويات الحكومية، خصوصاً ما يتعلق بالميزانيات الضخمة والاستثمارات الكبرى والصفقات المرتبطة بالبنيات التحتية والطاقة والمحروقات.
أسعار ترتفع ومسؤولون يتحدثون بلغة الشركات لا بلغة المواطنين
واحدة من أبرز مظاهر الهشاشة السياسية التي ظهرت هذا الأسبوع هي طريقة تفاعل الحكومة مع موجة الغلاء الجديدة التي ضربت أسعار المواد الأساسية والمحروقات.
بدل خطاب مسؤول يُطمئن المواطنين، جاء الخطاب الوزاري أقرب إلى بيانات الشركات الكبرى: لغة تقنية باردة، تبريرات “سوقية”، وتجاهل مطلق للأثر الاجتماعي.
هذه اللغة لم تكن صدفة، بل تؤكد أن السلطة التنفيذية أصبحت تُراعي قبل كل شيء مصالح الفاعلين الاقتصاديين الكبار… بينما يظل المواطن آخر من يُفكَّر فيه.
تراجع البرلمان وصعود الحكم عبر اللوبيات
النقاش داخل المؤسسة التشريعية هذا الأسبوع كشف أزمة تمثيلية عميقة. فالبرلمان، الذي يُفترض أن يكون سلطة سياسية ورقيباً على الحكومة، بدا عاجزاً أمام نفوذ المال، مكتفياً بخطب مستهلكة وشعارات انتخابية مستهلكة أكثر.
في المقابل، تحركت مجموعات الضغط الاقتصادي خارج الأضواء بفعالية أكبر:
التأثير على الصفقات
التفاوض بشأن الامتيازات
التأثير على القرارات الضريبية
والتحكم في مشاريع القوانين عبر “قنوات” غير رسمية
بهذه الطريقة، يفقد البرلمان وظيفته تدريجياً ويتحول إلى مسرح خطابي، بينما تتخذ القرارات الحاسمة في أماكن أخرى.
المجتمع يصرخ والنخب السياسية في سبات
ما يميّز هذا الأسبوع بشكل صارخ هو اتساع الهوة بين المواطن البسيط والنخب السياسية. الاحتجاجات الاجتماعية الصامتة، الغضب الرقمي، السخط الشعبي… كلها مؤشرات على ضغط اجتماعي هائل لا يجد من يمثّله سياسياً.
في المقابل، تستمر الأحزاب السياسية في الانشغال بصراعاتها الداخلية الصغيرة، وبمعارك لا معنى لها أمام عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
السياسة تُفرَغ من مضمونها والمواطن يُترَك يواجه مصيره وحده
في دولة تُدار بمنطق اقتصادي لا بمنطق سياس، حيث السياسة في المغرب لم تعد فضاءً للصراع حول المشاريع، أو لمواجهة الفساد، أو لحماية الفئات الهشة.
فالسياسة أصبحت أداة تقنية تُدار من أجل خدمة اقتصاد موجَّه ومضبوط من طرف شبكات النفوذ.
وعندما تُختزل السياسة في لغة الأرقام، وتُهمل لغة الإنسان، تصبح الدولة “شبه شركة” مواطنيها مجرد “مستهلكين”، وقراراتها مجرد “خيارات تجارية”.
فالمشكل لم يعد في أداء حكومة معينة، بل في بنية سياسية تُمسك بها أقلية اقتصادية متحكمة، تُعيد تشكيل الدولة وفق مصالحها، وتدفع بثمن ذلك ملايين المغاربة الذين يعيشون كل يوم تحت وطأة الغلاء واللاعدالة.
هذا الأسبوع كان دليلاً إضافياً على أن الخلل سياسي قبل أن يكون اقتصادياً: غياب استقلالية القرار، تحكم اللوبيات، وتراجع المؤسسات المنتخبة.
وما لم يُفتح نقاش وطني جذري حول حدود المال في السياسة، سيظل المغرب يعيش في ظل “حكم اقتصادي مقنّع” يُترجم في النهاية إلى مزيد من الإقصاء الاجتماعي.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك