أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر
أشعلت فرق المعارضة بمجلس المستشارين جلسة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2026، بعد أن شكّكت بقوة في قدرة الحكومة على إصلاح الأعطاب العميقة التي ضربت القطاعات الاجتماعية منذ وصولها إلى السلطة، معتبرة أن المشروع الجديد ليس سوى محاولة تقنية باردة للهروب إلى الأمام، في وقت يعيش فيه المواطنون أسوأ مراحلهم الاقتصادية والاجتماعية منذ سنوات.
الاتحاد المغربي للشغل وجّه أولى الضربات، معلناً أن مشروع القانون يولد في سياق قاتم، محاصر بتحديات اقتصادية واجتماعية وبيئية خانقة، بينما الحكومة تواصل تسويق خطاب “الطموح التنموي” بلا أثر ملموس على الأرض. واعتبر الفريق أن الكارثة الفلاحية، وانهيار إنتاج الحبوب واللحوم بسبب الجفاف، وارتفاع البطالة فوق 13%، ليست مجرد أرقام بل انهيار حقيقي لأسس العيش الكريم.
ولنسف رواية الأغلبية، كشفت المعارضة معطيات صادمة حول هشاشة الشغل في المغرب: أقل من 3.8 ملايين أجير مصرح بهم، منهم فقط 2.5 مليون بشكل فعلي، إضافة إلى الاستغلال “المهين” لأكثر من 180 ألف عامل وعاملة في شركات المناولة داخل قطاعات النظافة والحراسة والإطعام، حيث الأجور الزهيدة وظروف العمل القاسية أصبحت قاعدة وليس استثناء.
وذهبت المعارضة أبعد من ذلك، إذ نبهت إلى “تغوّل” الاقتصاد غير المهيكل، الذي يستحوذ على 30% من الناتج الداخلي ويتهرب من كل التزام ضريبي أو اجتماعي، بينما عجزت الحكومة عن ضبطه أو إدماجه. كما اتهمتها بتفريغ كل برامج دعم القدرة الشرائية من مضمونها، بعدما التهمها كبار المتحكمين في سلاسل التوزيع عبر زيادات صاروخية في الأسعار حوّلت حياة ملايين المغاربة إلى جحيم يومي.
وفي مواجهة هذا الوضع، طالبت المعارضة بزيادة عامة في الأجور، وإنصاف المتقاعدين عبر رفع المنح الهزيلة، ورد الاعتبار لطبقات أفنت عمرها في خدمة البلد. كما دعت إلى سياسة صارمة لردع المضاربين وتعزيز حماية الفئات الهشة ومحاربة الفقر القروي، مع تحسين ظروف أكثر من مليون عامل زراعي يعيشون في ظل استغلال مهين داخل الضيعات الكبرى.
الاتحاد المغربي للشغل طالب أيضاً بانتقال اقتصادي حقيقي يضع السيادة الغذائية والطاقية في قلب السياسات العمومية، وتسريع التحول الصناعي لرفع نسبة الاندماج المحلي وتقوية استقلالية الاقتصاد الوطني، بدل الاستمرار في التبعية العمياء للخارج.
أما فريق الاتحاد الاشتراكي، فاعتبر مشروع القانون “عملاً محاسبياً بلا روح”، مشروعاً يلمّع الأرقام ويهمّش الإنسان، ويتحدث عن التوازنات الماكرو–اقتصادية بينما المواطن يعيش اختلالات نفسية واجتماعية خانقة. وأعلن الفريق أنه سيصوّت ضد المشروع لأنه "لا يجسد الدولة الاجتماعية ولا يترجم التوجيهات الملكية، ولا يرقى إلى مستوى اللحظة الوطنية الحرجة".
الفريق الحركي اختصر موقفه بكلمة واحدة: الفشل. متهماً الحكومة بأنها لم تنجح سوى في شيء واحد خلال أربع سنوات: "إخراج المهندسين، الأساتذة، الأطباء، الطلبة وباقي الفئات إلى الشارع"، مؤكداً أن محاولة التذرع بسياسات الحكومات السابقة لم تعد تقنع أحداً.
وفي ظل هذا السيل من الانتقادات، يظهر مشروع قانون المالية لسنة 2026 كوثيقة تقنية باهتة فقدت صلتها بالواقع، بينما الشارع يغلي، والطبقات الوسطى تنهار، والقدرة الشرائية تُدهس بلا رحمة… وكل ذلك تحت أنظار حكومة تبدو عاجزة عن وقف النزيف.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك