قانون انتخابي على المقاس…كيف يُقصي المخزنُ الشباب ويُغلق البرلمان في وجه المستقلين؟

قانون انتخابي على المقاس…كيف يُقصي المخزنُ الشباب ويُغلق البرلمان في وجه المستقلين؟
سياسة / الإثنين 01 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:ياسر اروين

في خطوة وُصفت بأنها أخطر ضربة للعمل السياسي منذ عقدين، صادقت لجنة الداخلية بمجلس النواب، بتنسيق واضح بين وزارة الداخلية وفرق الأغلبية، على تعديل انتخابي جديد يفرض على المرشحين الشباب ضمن اللوائح المستقلة شرطًا غير مسبوق،الحصول على 5% من مجموع الناخبين المسجلين في الدائرة الانتخابية، وليس من الأصوات المعبر عنها.

شرط يبدو بسيطًا على الورق، لكنه في الواقع مشنقة قانونية تُعلَّق على رقاب كل من يحاول خوض الانتخابات خارج الأحزاب التقليدية أو خارج دوائر النفوذ التي تُدير اللعبة من خلف الستار.

أولًا: ما معنى 5% من المسجلين؟

معادلة مصممة لإعدام اللوائح المستقلة قبل أن تولد، ففي المغرب، نسبة المشاركة في الانتخابات غالبًا لا تتجاوز 35% إلى 45% في أغلب الدوائر.

أي أن المرشح لم يعد مطالبًا بإقناع المصوتين، بل صار مطالبًا بالحصول على أصوات من أشخاص قد لا يصوتون أصلًا.

وهذا يخلق مفارقة عبثية، فكيف يمكن لمرشح جمع أصوات من أشخاص لم يذهبوا إلى صناديق الاقتراع؟

أما بلغة الأرقام:

دائرة فيها 100 ألف ناخب مسجل

المشاركة تكون في حدود 40% أي 40 ألف مصوّت

الشرط الجديد يفرض على اللائحة المستقلة الحصول على 5 آلاف صوت، بينما 5% من الأصوات المعبر عنها لا تتجاوز 2000 صوت

بهذا الشكل، يتحول الترشيح المستقل إلى مهمة مستحيلة، ويفقد الشباب الذين يحاولون دخول السياسة من خارج أحزاب المخزن أي فرصة حقيقية.

ثانيًا: كيف تم تمرير هذا الشرط؟

أغلبية تتواطأ، ومعارضة تتفرّج، ووزارة الداخلية توجه، ووفق مصادر برلمانية، كان النص الأصلي الذي اقترحته وزارة الداخلية أكثر اعتدالًا، لكنه ظل يهدف للتحكم في الترشح الفردي.

غير أن التحالف الحكومي، وبضغط من دوائر عليا، قام بتقديم تعديل أشد صرامة، وتمت المصادقة عليه بالإجماع داخل لجنة الداخلية.

والأخطر أن الفريق الاشتراكي اقترح تعديلًا عقلانيًا، وهو اعتماد 5% من الأصوات المعبر عنها وليس من المسجلين، لكنه رُفض دون نقاش حقيقي، في ما يشبه “تعليمات” لا تُناقش ولا تُعارَض.

الشيء الذي أدى إلى اعتماد قانون انتخابي مُفصّل بدقة لخدمة التحكم السياسي، وليس الإرادة الشعبية.

ثالثًا:لماذا تخاف الدولة من اللوائح المستقلة؟

الجواب بسيط، لأنها تشكل خطرًا على النظام الانتخابي القائم على الولاءات، والمال الانتخابي، والزبونية، وتوزيع التزكيات داخل غرف مغلقة.

فاللوائح المستقلة، كانت الأمل الوحيد لعودة الثقة للشباب الذين فقدوا الأمل في الأحزاب، التي تحولت إلى أدوات انتخابية للمخزن.

كما أن ظهور موجة لوائح مستقلة سنة 2021، أربك الحسابات، خاصة في المدن الكبرى حيث صوّت جزء من الشباب لها هربًا من “أحزاب الإدارة”.

وبسبب هذا الخوف،تم خلق معيار يجعل المرشح المستقل يحتاج إمكانيات مالية ضخمة، وقدرة تنظيمية خرافية، وقاعدة انتخابية بحجم المدن الصغيرة فقط ليمر إلى المرحلة الثانية...إنها ببساطة تقنية سياسية لإعدام البديل.

رابعًا:تضييق ممنهج على الشباب وقانون يشرعن الإقصاء

يقدم المسؤولون هذا الشرط على أنه “إصلاح لمواجهة البلقنة الحزبية”، لكنه في العمق:

إقصاء مباشر للشباب غير المنتمي للأحزاب

حماية لسلطة المال الانتخابي

حراسة مشدّدة للنظام السياسي من تغييرات غير مرغوب فيها

إعادة إنتاج نفس النخب التي تهيمن على البرلمان منذ عقود

عموما، إن هذا الشرط لا يضرب فقط اللوائح المستقلة، بل يغتال فكرة المنافسة السياسية، ويحوّل البرلمان إلى فضاء مغلق على شبكات النفوذ والحزب المسيطر.

خامسًا:دور الحكومة…سلطة منفذة لقرارات أعلى

رغم أن الحكومة هي من قدمت المشروع أولًا، إلا أن مؤشرات كثيرة تؤكد أن مصدر هذا الشرط ليس الحكومة بل الدولة العميقة:

التنسيق المنضبط بين الأغلبية داخل اللجنة

رفض كل مقترحات التخفيف

تمرير المعدل دون خلافات

التطابق المريب بين مداخلات النواب وبلاغات الداخلية

فكلها إشارات، تدل على أن القرار جاء جاهزًا من فوق، وأن البرلمان تحوّل مرة أخرى إلى غرفة تسجيل فقط.

سادسًا:من الخاسر الأكبر؟

الديمقراطية والمواطن قبل أي شخص آخر، فبهذا التعديل، يصبح:

دخول البرلمان محصورًا في الأحزاب المدعومة والمهيكلة

غياب البدائل السياسية، ما يجعل المواطن أمام نفس الوجوه دائمًا

انسحاب الشباب من السياسة، لأن الطريق أصبح مسدودًا بالكامل

تكريس العزوف الانتخابي، بما يخدم من يتحكمون في خريطة السلطة

إنه قانون يعمق انحسار الثقة بين المواطن والدولة، ويُعيد المشهد السياسي إلى ما قبل دستور 2011.

سابعًا:برلمان مغلق وديمقراطية مُصادرة

الشرط الجديد ليس مجرد رقم، بل إنه رسالة سياسية قاسية تقول للشباب،“لا مكان لكم هنا اللعبة ليست لكم والبرلمان ليس لكم.”

إنه محاولة لإعادة صياغة الحياة السياسية على مقاس الأقلية التي تستفيد من استمرار الوضع كما هو، عبر قوانين محبوكة، وعقبات مسطرة، ومطبات قانونية تُسقط أي محاولة لتغيير المشهد.

خلاصة القول، إنه بهذا الشرط، ستتم إعادة تشكيل الحياة السياسية المغربية على أساس واحد:

لا صوت يعلو فوق صوت التحكم..ولا مرشح يمكنه المرور دون ختم الرضى.

إنه ليس مجرد تعديل انتخابي، بل خطوة استراتيجية لإخماد أي نفس ديمقراطي قد يولد خارج السيطرة.

والمغرب، الذي يحتاج اليوم أكثر من أي وقت إلى شباب واعٍ، وبدائل سياسية جديدة، يجد نفسه أمام قانون يُجرّم التغيير ويُؤسّس لإقصاء ممنهج يستفيد منه الأقوياء ويُقصي الضعفاء.


لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك