مشروع قانون مالية 2026 يخدم مصالح الأوليغارشية على حساب الطبقة المتوسطة والأكثر هشاشة

 مشروع قانون مالية 2026 يخدم مصالح الأوليغارشية على حساب الطبقة المتوسطة والأكثر هشاشة
سياسة / الجمعة 14 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر

يرى خبراء اقتصاديون أن مشروع قانون مالية 2026 لا يعدو كونه إعادة إنتاج لسياسات ميزانيّة سابقة، مع تركيز كبير على المصلحة الاقتصادية لرأس المال، دون معالجة حقيقية لمعاناة الشرائح الشعبية والمتوسطة.

فبالرغم من الأرقام الطموحة التي تروّج لها الحكومة — مثل نمو اقتصادي يناهز 4.6٪ وتخفيض العجز إلى نحو 3 ٪ من الناتج الداخلي الخام — فإن تلك الأرقام، في قراءة منسوبة إلى بعض النقّاد، تخفي اختلالات اجتماعية بنيوية كبيرة. 

الخبير الاقتصادي عبد السلام الصديقي، الوزير السابق، وصف هذا المشروع بأنه “ميزانية غير عادلة واقتصاد في طور نقاهة”، معتبراً أن الصيغة الحالية تعكس تدرّجاً في تراكم الفوارق الاجتماعية أكثر من محاولات جديّة لتخفيفها. 

تآكل القدرة الشرائية للطبقات المتوسطة والفقيرة

من أهم الجوانب السلبية المثارة حول هذا القانون المالي هو ضعف حماية القدرة الشرائية للأسر ذات الدخل المنخفض والمتوسط.

فتحليل سيميائي للوثيقة الرسمية يُبرز أن التضخم “المتحكم فيه” ليس إلا واجهة لإنهاك شرائح كثيرة، خاصة مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية. 

هذه الزيادات في التكاليف المعيشية تصطدم مع محدودية الزيادات في الأجور والدعم، مما يترك هذه الأسر في ذيل أولويات المشروع.

ففي الواقع، الطبقة المتوسطة، التي لطالما شكلت ركيزة الاستقرار الاجتماعي، تجد نفسها اليوم محاصَرة من جهة ارتفاع التكاليف ومن جهة تراجع جودة الخدمات العامة، خاصة في قطاعات مثل التعليم والصحة. 

دين عام متصاعد يعوق العدالة الاجتماعية

التمويل الذي تعتمده الدولة في مشروع قانون مالية 2026 يثير أيضاً مخاطر كبيرة على المدى المتوسط. الصديقي ينبه إلى أن جزءًا كبيرًا من القروض المقرّرة لسنة 2026 مخصص لتمويل ديون سابقة، وليس للاستثمار الحقيقي. 

بكلمات بسيطة، الدولة تقترض اليوم فقط لسداد ما اقترضته بالأمس، مما يعكس دورة مقلقة من التبعية المالية التي لا تخدم إسقاط الأعباء عن الفقراء أو إعادة توزيع القوة الاقتصادية داخل المجتمع.

مساهمة ضريبية غير متوازنة

بدلاً من فرض ضريبة عادلة على الثروة أو الإرث، كما يطالب بها بعض الاقتصاديين لتعزيز العدالة الضريبية، فإن مشروع قانون مالية 2026 يبدو أنه يحافظ على العبء الضريبي ثقيلًا على الأجور والمقاولات الصغيرة والمتوسطة، دون أن يلمس فعليًا كبار المستثمرين أو الأغنياء. 

هذا يعيد إنتاج سيناريو اقتصادي مفاده أن التحسن الجبائي المنشود يكون على الورق فقط، في حين أن المنحى الفعلي لخدمات المال العام والبنية التحتية والعودة على الاستثمار يتجه إلى فئات النخبة أكثر من الفئات الشعبية.

تحدّ حقيقي لتمويل الدولة الاجتماعية

رغم وعود الحكومة بدعم الصحة والتعليم ضمن ميزانية 2026، هناك تساؤلات قوية حول ما إذا كانت هذه الاعتمادات ستترجم فعليًا إلى تحسين ملموس في حياة الطبقات الفقيرة والمتوسطة أم أنها تبقى شعارات انتخابية. 

من ناحية أخرى، التمويل “المبتكر” الذي تعتمده الحكومة للحد من العجز قد يخفي مخاطِر على استدامة المرافق العمومية.

حزب التقدم والاشتراكية أعرب عن قلقه من أن هذه الميزانية تخدم مصالح أولوية فئوية أوليغارشية، دون إعادة الاعتبار للعقد الاجتماعي الحقيقي مع الفقراء والمتوسطين. 

غياب إصلاح حقيقي للتنمية المكانية

رغم الإعلان عن تخصيص موارد لتعزيز التنمية الترابية، يشير بعض المراقبين إلى أن التوزيع الفعلي للتمويل يفتقر إلى حكامة فعالة، وقد لا يغيّر من واقع التفاوتات الجهوية الحادّة في المغرب. 

هذا التحدي يمثل عبئًا إضافيًا على الفئات الأكثر هشاشة، خصوصًا في المناطق المهمشة، التي إن لم ترتق استثماراتها إلى مستوى مطالب السكان، فإن أي موازنة «عدالة اجتماعية» تبقى مجرد ورقة إعلامية.

 من ينفع هذا القانون حقًا؟

مشروع قانون مالية 2026، في قراءة نقدية، لا يكرّس عقدًا اجتماعيًا يعيد الاعتبار للأكثر ضعفًا، بل يعمّق الانقسام بين فئات المجتمع، من خلال ترجيح مصلحة رؤوس الأموال والاقتصاد التنافسي على حساب العدالة الاجتماعية والدول الاجتماعية. الطبقات المتوسطة والفقيرة، بدل أن تجد في هذا القانون فسحة أمل، تواجه واقعًا أكثر هشاشة: عبء معيشي مرتفع، ديون متنامية، وضريبة ثقيلة مقارنة بمن استفاد من فلسفة الاستثمار والدعم الضريبي.

إذا بقي هذا المسار دون تغيّر جذري في التوجهات، فإن قانون مالية 2026 لن يكون سوى وثيقة تعبيرية تُغلف استمرار التهميش الطبقي وتراجع الأداء التنموي لصالح القلة، على حساب غالبية المغاربة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك