معارضة غائبة وأحزاب بلا شعبية في زمن العزوف السياسي..المشهد الحزبي المغربي أمام انتخابات 2026

معارضة غائبة وأحزاب بلا شعبية في زمن العزوف السياسي..المشهد الحزبي المغربي أمام انتخابات 2026
سياسة / الخميس 13 نونبر 2025 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

أنتلجنسيا المغرب:إدارة النشر

بينما يقترب المغرب من استحقاقات 2026 التشريعية، يبدو أن المشهد الحزبي يعيش حالة غير مسبوقة من الضعف والارتباك.

فالأحزاب التي يفترض أن تكون المحرك الطبيعي للحياة الديمقراطية فقدت جزءاً كبيراً من مصداقيتها، وتحولت في نظر فئات واسعة من المواطنين إلى مؤسسات باهتة لا تمثل سوى مصالحها التنظيمية.

ووسط هذا الفراغ السياسي، تتجه البلاد نحو انتخابات يبدو أنها ستجري في مناخ يطبعه العزوف، وغياب المعارضة الحقيقية، وهيمنة الإدارة على المجال العام.

1. المعارضة: غياب في الميدان وحضور في البيانات

تبدو المعارضة المغربية اليوم بلا روح، فالأحزاب التي تصنَّف في هذا المعسكر – وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية والحركة الشعبية – تعيش أزمة خطاب وتنظيم، إذ لم تعد قادرة على تعبئة الشارع أو خلق نقاش سياسي وطني حقيقي.

تكتفي هذه الأحزاب بإصدار بلاغات وردود باهتة على قرارات الحكومة، دون أن تتجرأ على طرح بدائل ملموسة أو برامج واضحة.

المفارقة أن الحكومة الحالية نفسها – التي يقودها حزب التجمع الوطني للأحرار – تشتغل في فضاء سياسي شبه خالٍ من الضغط أو الرقابة الحزبية، مما جعلها تتحرك براحة تامة، وتُعيد تعريف السياسة كمجرد تدبير إداري، لا كصراع ديمقراطي بين المشاريع.

2. أزمة الشرعية الشعبية: أحزاب فوق المجتمع

منذ انتخابات 2021، أظهرت نسبة المشاركة الضعيفة أن المغاربة لم يعودوا يثقون في الأحزاب.

فغالبية المواطنين تعتبر أن هذه التنظيمات لم تعد تعكس همومهم ولا تدافع عن مصالحهم، بل تحولت إلى منصات لتوزيع المناصب والمصالح.

حتى الأحزاب التاريخية، مثل الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، فقدت بريقها النضالي، بعدما تحوّلت إلى كيانات انتخابية تقليدية أكثر من كونها قوى اجتماعية حاملة لمشروع.

النتيجة أن الساحة السياسية أصبحت تُدار من فوق، فيما تم إفراغ الميدان من أي قوة وسيطة قادرة على خلق تعبئة أو مساءلة حقيقية.

3. الحكومة في راحة تامة: معارضة شكلية وبرلمان صامت

غياب معارضة قوية جعل الحكومة الحالية تعيش حالة "راحة سياسية"، فلا البرلمان يشهد نقاشات حادة، ولا الشارع يُعبّر عن غضب منظم.

وحتى القرارات المثيرة للجدل، مثل رفع الأسعار أو ضعف الإصلاحات الاجتماعية، تمرّ دون مقاومة سياسية حقيقية.

لقد أصبحت السياسة في المغرب تُمارس بلغة تقنية واقتصادية، حيث يُقدَّم كل شيء في قالب “إصلاح” أو “برنامج استثماري”، بينما يُغيب البعد السياسي والاختياري من القرار العمومي.

وهو ما يجعل الحياة السياسية تبدو هادئة على السطح، لكنها في العمق تعكس جموداً خطيراً في توازن القوى.

4. الشباب والسياسة: قطيعة الجيل الجديد مع الأحزاب

لا يمكن فهم ضعف المشهد الحزبي دون الإشارة إلى القطيعة العميقة بين الأحزاب والشباب المغربي.

فجيل ما بعد 2011 لم يعد يرى في الأحزاب وسيلة للتغيير أو التعبير، بل يعتبرها جزءاً من النظام القائم الذي يُعيد إنتاج نفس الوجوه ونفس الخطابات.

وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت اليوم المجال الوحيد للنقاش السياسي، بينما ظلت الأحزاب عالقة في أساليب قديمة تفتقر إلى الجاذبية والابتكار.

إن هذه القطيعة تُنذر بأن انتخابات 2026 قد تعرف نسبة مشاركة متدنية، تُهدد بفراغ تمثيلي خطير وتزيد من ضعف شرعية المؤسسات المنتخبة.

5. من المعارضة إلى “الموافقة”: نهاية الصراع السياسي

تحول الخطاب الحزبي في السنوات الأخيرة إلى ما يشبه الإجماع غير المعلن.

فجميع الأحزاب، سواء في الحكومة أو المعارضة، تتفادى أي اصطدام سياسي حقيقي مع المؤسسة الملكية أو مع السياسات الاقتصادية الكبرى للدولة.

وبذلك، فقدت الحياة السياسية معناها التعددي، وتحولت المعارضة إلى “موافقة مقنّعة” على مجمل التوجهات الرسمية.

هذا التماهي بين السلطة والمعارضة جعل المشهد يبدو مستقراً، لكنه في الحقيقة يخفي موت السياسة كفضاء للمنافسة والمساءلة.

6. نحو انتخابات 2026: استحقاق بلا رهانات

كل المؤشرات الحالية توحي بأن انتخابات 2026 ستكون استحقاقاً بلا حرارة سياسية.

فلا أحد يتحدث عن برامج جديدة، ولا عن تحالفات أو مشاريع بديلة.

الأحزاب منشغلة بإعادة ترتيب هياكلها الداخلية أكثر من اهتمامها بإقناع الناخبين، في وقت يتزايد فيه الشعور العام بأن “الانتخابات لا تغيّر شيئاً”.

هذا المناخ ينذر بمشهد انتخابي بارد، يكرّس مزيداً من اللامبالاة والعزوف الشعبي، ويُضعف أكثر شرعية التمثيل البرلماني.

7. الحاجة إلى تجديد سياسي جذري

إن الأزمة التي يعيشها المشهد الحزبي ليست ظرفية، بل بنيوية.

فهي نتيجة تراكمات طويلة من الإضعاف الممنهج، والارتهان للسلطة الإدارية، وفقدان الاستقلالية الفكرية والتنظيمية.

وإنقاذ السياسة المغربية اليوم يمرّ عبر تجديد عميق للنخب، وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وفتح المجال أمام قوى جديدة أكثر قرباً من نبض الشارع.

فالمطلوب ليس فقط إصلاح الأحزاب، بل إعادة الاعتبار للعمل السياسي نفسه كمجال نبيل للتنافس حول المصلحة العامة.

حين تصبح السياسة غائبة عن السياسة

يدخل المغرب مرحلة مفصلية وهو يقترب من انتخابات 2026، لكن الفاعلين السياسيين لا يمتلكون لا الرؤية ولا القدرة على تحريك الشارع أو تأطيره.

إنه زمن “السياسة بدون سياسيين”، حيث تُدار الأمور من خارج الأحزاب، وتُختزل الديمقراطية في واجهة انتخابية شكلية.

ولذلك، فإن الخطر الحقيقي ليس في ضعف المعارضة فقط، بل في انقراض السياسة ذاتها كأداة للتوازن والرقابة والمساءلة.

ما لم تستيقظ النخب، وتُستعاد الثقة بين المواطن والعمل الحزبي، فإن المغرب سيتجه نحو مشهد بلا معارضة، وبلا بديل… أي نحو ديمقراطية باردة تحت السيطرة الكاملة للإدارة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك