لطيفة البوحسيني:الانتخابات المغربية الأخيرة خيطت على المقاس والإقصاء استهدف الديمقراطية في جوهرها

لطيفة البوحسيني:الانتخابات المغربية الأخيرة خيطت على المقاس والإقصاء استهدف الديمقراطية في جوهرها
سياسة / الأربعاء 09 يوليو 2025 - 20:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أحمد الهيلالي

اعتبرت الأستاذة الجامعية والناشطة الحقوقية لطيفة البوحسيني أن الانتخابات التشريعية التي عرفها المغرب سنة 2021 شكّلت لحظة نكوص سياسي عميق، حيث جرى، حسب تعبيرها، "تفصيل الخريطة الانتخابية على المقاس" في عملية وصفتها بأنها تفتقر إلى أدنى مقومات التعددية الديمقراطية، وأفضت إلى إقصاء ممنهج لعدد من الأحزاب السياسية التي كانت تُعتبر "مزعجة" بالنسبة للدولة. البوحسيني، التي كانت تتحدث مساء الثلاثاء 8 يوليوز خلال مشاركتها في منتدى "مشاركة النساء في الحياة السياسية: دلالاتها، حدودها وآفاقها"، الذي نظمته عن بُعد منظمة نساء العدالة والتنمية، شددت على أن ما حدث خلال استحقاقات 2021 لم يكن مجرد تضييق على الحريات العامة، بل تجاوز الأمر إلى "فبركة شاملة للحياة السياسية"، في مشهد يعكس أزمة عميقة في المسار الديمقراطي الوطني.

وفي معرض تحليلها لأوضاع مشاركة النساء في الحياة السياسية، أكدت البوحسيني أن النظام الانتخابي، بما في ذلك آلية الكوطا النسائية، تم تجريده من محتواه السياسي الأصلي. فبدلاً من أن تُشكّل الكوطا أداة لتصحيح التمثيلية الجندرية وتشجيع كفاءات نسائية على ولوج مراكز القرار، تحولت، حسب قولها، إلى نوع من الريع الحزبي، حيث أصبحت بعض التنظيمات تستعملها وسيلة للمقايضة الداخلية، مما أدى إلى بروز ممارسات تفتقد إلى معايير الاستحقاق، وتعتمد على الولاءات العائلية والمناطقية بدل الكفاءة والنزاهة السياسية.

وأشارت البوحسيني إلى أن هذه الوضعية أدت إلى احتدام الصراع بين النساء أنفسهن داخل الأحزاب حول التموقع في اللوائح الانتخابية، مما ساهم في تمييع الغاية النبيلة من تخصيص حصة للنساء. كما أوضحت أن فشل هذه التجربة في تأطير مشاركة نسائية قوية وفعالة لا يعود إلى ضعف في قدرات النساء، بل إلى هيمنة ثقافة سياسية محافظة، تستمد شرعيتها من منظومة ذكورية تاريخية لا تزال تُقصي النساء من الفضاء العمومي وتُحاصر مشاركتهن ضمن أدوار تقليدية مرتبطة بالرعاية والإنجاب.

وفي هذا السياق، لفتت المتحدثة إلى أن النساء المغربيات، لا سيما في العالم القروي والمجالات الهامشية، يقمن بأدوار اجتماعية واقتصادية جوهرية، تشمل الفلاحة، ورعاية المسنين، وتدبير الحياة اليومية في ظروف هشّة، ومع ذلك، فإن حضورهن يبقى مغيبًا في دوائر القرار وصياغة السياسات العمومية، الأمر الذي يُعمق من أزمة العدالة الاجتماعية والمجالية والجندرية.

وشددت الناشطة الحقوقية على أن الكوطا ليست هدفًا في حد ذاتها، بل وسيلة انتقالية نحو المناصفة الكاملة التي ينص عليها الدستور المغربي. وأكدت أن احترام نسبة 33 في المائة من تمثيلية النساء، كما تنص على ذلك اتفاقية "سيداو"، يمكن أن يكون مدخلًا لتغيير تدريجي في بنية التمثيلية السياسية، حتى وإن صعدت بعض النساء اللواتي لا يتبنين بالضرورة أجندة نسوية، إذ إن التنوع داخل المكون النسائي يُعد مؤشراً صحياً يعكس تعددية الرؤى والمواقف.

وتوقفت البوحسيني عند بعض المحطات التاريخية التي شهد فيها المغرب انفتاحًا محدودًا تجاه قضايا المرأة، مثل مرحلة حكومة التناوب، والتي عرفت إصلاحات قانونية جزئية تمس مدونة الشغل ومدونة الأحوال الشخصية، لكنها لم ترق، برأيها، إلى مستوى إصلاحات عميقة تُؤسس لديمقراطية حقيقية قوامها المساواة والمواطنة الكاملة للنساء.

وفي ختام مداخلتها، عبّرت البوحسيني عن أسفها لما وصفته بالتراجع المقلق في الحياة السياسية الوطنية، ليس فقط على مستوى التمثيلية النسائية، بل على صعيد الثقة العامة في المؤسسات السياسية. وأكدت أن أزمة الثقة لا تُحلّ إلا بعودة الأحزاب إلى أدوارها الجوهرية كأدوات تأطير وتمثيل، وأن الديمقراطية لا يمكن أن تُختزل في شكليات انتخابية، بل تقوم على المشاركة الفعلية لكافة مكونات المجتمع، وفي مقدمتها النساء. وأضافت أن تحقيق الديمقراطية الحقة يقتضي الاعتراف بالمواطنة الكاملة للنساء، ورفع القيود البنيوية والثقافية التي لا تزال تعيق حضورهن في مراكز القرار، مؤكدة أن المشاركة السياسية للنساء ليست فقط مطلباً حقوقيًا، بل هي شرط أساسي لتحقيق أي انتقال ديمقراطي حقيقي ومستدام.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك