أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي
كشفت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، في تقرير حديث، معطيات لافتة عن البنية الديموغرافية والاجتماعية والقضائية للسجناء بالمغرب، أظهرت أن 62 في المائة منهم غير متزوجين، وهو ما يثير تساؤلات حول الروابط الاجتماعية للسجناء، وقدرتهم على الاندماج الاجتماعي قبل دخولهم المؤسسة العقابية، وكذلك بعد الإفراج عنهم.
العزوبية والسجن… علاقة مركبة
يشير المحللون إلى أن العزوبية تمثل عاملا يزيد من هشاشة الوضع الاجتماعي للفرد، ويُحتمل أن يكون مرتبطًا بمستويات أعلى من العزلة والحرمان الاجتماعي، مما يجعل فئات معينة أكثر عرضة للانخراط في أنماط سلوكية مخالفة للقانون. كما أن غياب الاستقرار الأسري قد يؤدي إلى هشاشة أخلاقية ونفسية، خاصة في صفوف الشباب، تُسهّل الانجرار نحو العنف، الإدمان، أو الجريمة الاقتصادية والالكترونية.
قضايا الفساد تحضر بقوة داخل السجون
من أبرز المعطيات المثيرة التي وردت في التقرير، أن عدد المدانين في قضايا الفساد بلغ 5800 شخص، ما يكشف عن عمق أزمة الشفافية والنزاهة في الإدارة والاقتصاد المغربي. يشمل هذا الرقم المدانين في ملفات تتعلق بالاختلاس، الرشوة، استغلال النفوذ، وتبديد المال العام، وهو رقم يثير القلق بالنظر إلى الجهود المبذولة في السنوات الأخيرة من أجل مكافحة الفساد وتخليق الحياة العامة.
من أين يأتي المدانون في قضايا الفساد؟
رغم أن التقرير لا يوضح بالتفصيل خلفيات هؤلاء المدانين، إلا أن العديد من القضايا التي شغلت الرأي العام المغربي خلال السنوات الأخيرة تورط فيها مسؤولون إداريون، منتخبون جماعيون، موظفون عموميون، ورجال أعمال. وغالبًا ما ترتبط تلك القضايا بصفقات عمومية مشبوهة، أو تدبير جماعي فاسد، أو مخالفات مالية جسيمة.
تحديات إعادة الإدماج تزداد تعقيدًا
تشكل هذه الأرقام تحديًا إضافيًا لإدارة السجون في ما يخص تأهيل وإعادة إدماج هؤلاء الأشخاص في المجتمع بعد انتهاء فترة العقوبة. بالنسبة للعزاب، فإن غياب شبكة دعم أسري يزيد من صعوبة العودة إلى الحياة الطبيعية. أما بالنسبة للمدانين في ملفات فساد، فغالبًا ما تكون عودتهم إلى مناصب أو فضاءات عمل مماثلة محفوفة بالرفض المجتمعي والرقابة القانونية، ما يتطلب سياسات إدماج خاصة ومركبة.
ما الذي تكشفه هذه الأرقام عن المجتمع المغربي؟
تكشف هذه المؤشرات عن واقع اجتماعي واقتصادي مقلق، يتقاطع فيه الهشاش الاجتماعي مع الهشاش الأخلاقي والمؤسساتي. فالارتفاع الكبير في نسبة السجناء العازبين يعكس أزمة في بنية الروابط الاجتماعية، فيما الرقم الكبير للمدانين في قضايا الفساد يكشف استمرار مظاهر الإفلات من الرقابة والقصور في منظومات الشفافية والمحاسبة.
هل من حلول في الأفق؟
أمام هذا الواقع، يطالب خبراء العدالة الجنائية بضرورة التركيز على سياسات وقائية بدل الاكتفاء بالزجر، من خلال تقوية التماسك الأسري، والنهوض بالتربية القيمية، ودعم فرص التشغيل للشباب. كما أن تعزيز الرقابة على تدبير المال العام وتطوير آليات الإبلاغ عن الفساد من داخل المؤسسات بات ضرورة وطنية. في المقابل، يحتاج النظام السجني إلى إصلاحات هيكلية تراعي تنوع فئات السجناء وظروفهم الخاصة، وتضع الإدماج المهني والنفسي والاجتماعي كأولوية حقيقية.
مرآة تعكس التحديات
في نهاية المطاف، تظل المعطيات التي كشفت عنها المندوبية مرآة صريحة تعكس عمق التحولات والتحديات التي يعيشها المجتمع المغربي في بنيته الاجتماعية والأخلاقية والإدارية. ومهما بلغت صرامة التشريعات، فإن الحل يبدأ من إصلاح البنى المجتمعية التي تصنع هذا الواقع، وتغذيه… قبل أن يُترجم داخل أسوار السجون.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك