أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت
في مشهد يكشف عن عمق التصدعات داخل الصف المعارض بالمغرب، خرج حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية برسالة سياسية حادة، ردّاً على ما وصفه بـ"تشنجات" حزب العدالة والتنمية، وذلك على خلفية الجدل المتصاعد حول فشل تقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة. الرد الاتحادي جاء ليكسر صمتاً نسبياً، ويعيد ترتيب سردية ما حدث، مطلقاً النار على ما اعتبره "محاولة سطو مؤسساتي" على مبادرة كان هو أول من أطلقها.
في رسالته، لم يكتفِ حزب الاتحاد بتوضيح موقفه من ملتمس الرقابة، بل حمّل خصومه في المعارضة، وعلى رأسهم حزب العدالة والتنمية، مسؤولية ما وصفه بـ"التشهير، والتنمر، والقذف السياسي"، مؤكداً أن ما جرى ليس كما تحاول الأمانة العامة للبيجيدي تصويره. الاتحاد اعتبر أن الحقيقة الوحيدة التي ينبغي الوقوف عندها، هي أن الهجوم السياسي الذي تعرض له لم يكن وليد اليوم، بل يتكرر كلما اتخذ موقفاً مستقلاً في قضايا مصيرية.
الرسالة أعادت التأكيد على استقلالية القرار الحزبي، مشددة على أن مبادرة تقديم ملتمس الرقابة أو تعليق النقاش حوله هي "قرار سيادي ينبع من جوهر الاستقلالية الاتحادية"، مستحضرة تاريخ الاتحاد الطويل مع آلية الرقابة البرلمانية، منذ ستينيات القرن الماضي، حين واجه الحزب نظام القمع والجمر بمبادرات رقابية تاريخية.
الاتحاد، وفي لهجة حازمة، اتهم حزب العدالة والتنمية بمحاولة سحب البساط من تحت أقدام من بادر فعلياً إلى طرح فكرة ملتمس الرقابة، محولاً الأداة الدستورية الرفيعة إلى مجرد تفصيل إجرائي يخدم حسابات ضيقة. كما أوضح الحزب أن محاولاته لفتح نقاش جدي ومسؤول حول المبادرة جوبهت بمحاولات "التتفيه والاستصغار والعبث"، ما دفعه إلى تعليق مشاركته حتى لا يتحوّل إلى أداة في مشهد سياسي باهت.
ولم تخلُ الرسالة من استدعاء محطات الصدام السابقة، حيث ذكّر الاتحاد بهجوم مماثل تعرض له منذ سنة ونصف عندما طرح نفس المقترح، وقال إن ما يثبت أن "التشهير هو الثابت الوحيد في هذه المعادلة"، هو أنه تعرض للهجوم عندما بادر، وتعرض للهجوم عندما انسحب، مما يعكس - حسب تعبيره - نية مبيتة لتقويض صورته السياسية كيفما كان موقفه.
الاتحاد الاشتراكي اعتبر أن النقاش حول ملتمس الرقابة أُفرغ من محتواه الدستوري وتحول إلى صراع من أجل تسجيل النقاط داخل المعارضة، في وقت تتطلب فيه المرحلة وحدة وتنسيقاً لا نزاعات حزبية. كما عبّر عن رفضه تحويل النقاش حول الرقابة الحكومية إلى منصة للتشويش على قراراته، مؤكداً أنه لن يسمح بالمس بمكانته السياسية أو تاريخه في الدفاع عن قضايا الشعب.
الرسالة، وإن كانت مصوغة بلغة دفاعية، فإنها تحمل بين سطورها هجوماً مضاداً صريحاً، يعبّر عن توتر حقيقي بين طرفين من المعارضة، كان يفترض أن يجتمعا على موقف موحد في مواجهة حكومة توصف بالفشل. غير أن الخلافات حول الزعامة، وآليات التنسيق، ومناخ انعدام الثقة، حوّلت المعارضة إلى ساحة تناحر داخلي، تُهدّد بفقدان ما تبقى من تأثيرها في المشهد السياسي المغربي.
بهذا الخطاب، يبدو أن الاتحاد الاشتراكي قرر عدم الصمت أمام "الغارات السياسية" التي يشنها خصومه، معلناً أنه لا يقبل أن يتحول إلى كبش فداء في معارك التموقع داخل المعارضة، ولا أن يُملى عليه كيف ومتى يتخذ قراراته. فهل سيقود هذا التصعيد إلى قطيعة تامة بين قطبي المعارضة؟ أم أن نداءات "الوحدة من أجل الوطن" ستجد من يعيد صوت العقل إلى هذا الاشتباك السياسي الحاد؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك