أنتلجنسيا المغرب:إسبانيا (مالقا)
بعد الكارثة الإنسانية التي هزّت منطقة تورّوخس (Torrox) بنواحي مالقا، عقب وفاة أسرة مغربية كاملة من أربعة أفراد نتيجة تسرب غاز داخل منزلهم، كان من المنتظر أن تتحرك القنصلية المغربية بالجزيرة الخضراء بسرعة، على الأقل لتأطير الظرف الإنساني، ومواكبة التحقيقات، والقيام بواجبها الطبيعي في تقديم الدعم والمساندة.
لكن ما حدث على أرض الواقع كشف ـ مرة أخرى ـ هشاشة الحضور الدبلوماسي المغربي في لحظات تحتاج فيها الجالية قبل غيرها إلى دولة تحميها ولا تغيب عنها.
المشهد الأكثر تعبيرًا عن هذا الغياب القاتل، هو ما قام به المسؤول الأول عن بلدية تورّوخس، الذي بادر بمعية السلطات المحلية إلى تنظيم دقيقة صمت رسمية على أرواح الضحايا المغاربة، في التفاتة إنسانية مؤثرة خلّفت ارتياحًا لدى الجالية، لكنها في الوقت نفسه أثارت غضبًا مكتومًا: لماذا يكون أول التحرك من إسبانيا وليس من ممثلية المغرب؟
وحسب مصادر محلية، حاول المسؤول البلدي الاتصال بالقنصلية المغربية في الجزيرة الخضراء لإشعارها بالحادث ودعوتها للحضور أو التواصل مع الأسرة والجالية، غير أن الرد كان غائبًا أو متأخرًا أو محدودًا إلى درجة أظهرت أن القنصلية غير مستعدة لمثل هذه اللحظات الحرجة. جالية كاملة وجدت نفسها أمام صدمة الفاجعة وصمت المؤسسات التي يُفترض أن تواكبها.
هذا الفراغ في الأداء الدبلوماسي دفع أحد النواب البرلمانيين المغاربة إلى مساءلة وزير الخارجية ناصر بوريطة، مطالبًا إياه بالتدخل العاجل لإلزام القنصلية بالقيام بواجبها في تسهيل الإجراءات وإعادة جثامين الضحايا إلى المغرب، وضمان مواكبة قانونية وإنسانية لعائلة الراحلين وللجالية المقيمة في المنطقة.
البرلماني شدد في سؤاله على أن الحوادث المأساوية التي تطال مغاربة العالم تتكرر، لكن ردّ القنصليات غالبًا ما يبقى باهتًا أو في الحدّ الأدنى من المسؤولية المفترضة.
هذه الفاجعة أعادت النقاش القديم–الجديد حول "التمثيلية القنصلية" التي تمول من المال العام، لكنها في الواقع لا تقوم بالأدوار الأساسية: حماية المواطنين، تقديم الدعم في الظروف الاستثنائية، والتواصل الفعّال مع السلطات المضيفة. فبينما برهنت مؤسسات إسبانية محلية على حس إنساني ودينامية فورية، ظلّت القنصلية المغربية غارقة في صمت يصرخ أكثر من الضجيج.
اليوم، ومع انتظار نقل جثامين الأسرة المغربية إلى الوطن، تتجه الأنظار إلى الخارجية المغربية: هل ستتدخل لتصحيح هذا القصور الفادح؟ وهل سيتم فتح تحقيق جدي في أداء القنصلية التي أثبتت مرة أخرى أنها بعيدة عن نبض الجالية واحتياجاتها؟
فالفاجعة قاسية بما يكفي، لكن الأكثر قسوة هو أن يشعر المواطن المغربي، خارج الحدود، بأنه وحيد في مواجهة المصير، وأن مؤسسات بلده تراه فقط عندما تحتاج إليه، وتختفي عندما يحتاج هو إليها.


لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك