أنتلجنسيا المغرب: أبو دعاء
وجه الوكيل العام للملك لدى محكمة
النقض، رئيس النيابة العامة هشام البلاوي، رسالة قوية إلى كافة المسؤولين
القضائيين، دعاهم فيها إلى التقيد الصارم بالضوابط القانونية التي تحكم إصدار
برقيات البحث وإلغائها، مذكرا بأن هذه الآلية ذات طابع استثنائي تمس بشكل مباشر
بحرية الأفراد.
الدورية الجديدة شددت على أن برقية
البحث لا يجب أن تتحول إلى أداة اعتيادية، بل ينبغي اللجوء إليها فقط في الحالات
التي يقتضيها القانون وتفرضها الضرورة، بالنظر إلى تأثيرها الخطير على الوضع
الشخصي والمهني والعائلي للأشخاص المبحوث عنهم.
وأكدت رئاسة النيابة العامة أن حماية
الحريات الفردية تبقى من أولويات السياسة الجنائية، وهو ما سبق التنبيه إليه في
دوريات سابقة، خاصة تلك الصادرة في أبريل 2021، التي شددت على ضرورة مراجعة دورية
لبرقيات البحث قصد التحقق من استمرار أسبابها أو إلغائها إذا انتفت المبررات.
كما دعت إلى أن تتم عملية إصدار
البرقيات بموجب تعليمات كتابية صادرة عن الوكلاء العامين ووكلاء الملك، مع إمكانية
الإذن الشفوي في الحالات الاستعجالية أو عند التلبس، ضمانا للفعالية وسرعة التدخل
دون المساس بالضمانات الجوهرية.
وطالبت النيابة العامة أيضا بالمراجعة
التلقائية لجميع برقيات البحث الصادرة، والتعجيل بإلغاء تلك التي طالها أمد
التقادم، ما لم تتوافر مبررات قانونية جدية لقطع هذا الأمد.
وأكدت أن إلغاء برقيات البحث يجب أن
يتم بشكل فوري كلما تم حفظ المسطرة الجنائية، أو إحالة الملف على قضاء التحقيق أو
الحكم، أو لأي سبب قانوني آخر يسقط موجب البرقية، وهو ما يساهم في رفع الحيف عن
أشخاص قد تستمر ملاحقتهم رغم زوال الأساس القانوني.
كما أولت الدورية أهمية خاصة للتنسيق
مع الشرطة القضائية في مختلف دوائر النفوذ القضائي، بغية تحيين قوائم المبحوث عنهم
بشكل دوري، وحصر الحالات التي توفرت أسباب الإلغاء بشأنها.
وربطت النيابة العامة ذلك بتفعيل
الدليل العملي لتجويد الأبحاث الجنائية الصادر في ماي 2025، والذي تضمن إجراءات
دقيقة لتدبير برقيات البحث، بما في ذلك وضع ضوابط للإصدار والإلغاء وضبط لوائح الأشخاص
المبحوث عنهم بشكل منظم.
وأشادت رئاسة النيابة العامة
بالانخراط الجاد للوكلاء العامين ووكلاء الملك في تنزيل هذه التوجيهات، مبرزة أن
ذلك ساهم في إلغاء عدد كبير من البرقيات إما بسبب التقادم أو لزوال الأسباب التي
بررت إصدارها في الأصل.
الدليل العملي الذي تم إنجازه بشراكة
مع المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني والدرك الملكي، اعتبر أن
نشر برقية البحث يجب أن يسبقه توفر أدلة كافية على ارتكاب الجريمة، مع وضع نظام
صارم للتحيين والإلغاء عند الاقتضاء.
وتوقف عند الأهمية البالغة لهذه
الإجراءات في ضمان التدبير الأمثل لبرقيات البحث باعتبارها مساسا مباشرا بحرية
الأفراد، وهو ما يفرض تعاملا رصينا وحازما من طرف كافة المسؤولين القضائيين.
ودعت الدورية إلى موافاة رئاسة
النيابة العامة بنتائج المراجعة والتحيين على صعيد مختلف المحاكم قبل متم أكتوبر
2025، قصد الوقوف على حصيلة التفعيل والتأكد من مدى الالتزام بالتوجيهات الجديدة.
وذكّرت بأن برقية البحث ليست مجرد
وثيقة إدارية، بل هي أداة قانونية خطيرة تُسخّر لضبط الأشخاص الفارين من العدالة،
سواء للاشتباه في ارتكابهم جرائم أو تنفيذا لأوامر قضائية صادرة في إطار المساطر الغيابية
أو التحقيقات الإعدادية.
كما تشمل هذه الآلية الأشخاص
المطلوبين لتنفيذ عقوبات سالبة للحرية أو الإكراه البدني، ما يفسر حساسية اللجوء
إليها وضرورة إعمالها في نطاق القانون فقط.
وبهذا، تكون رئاسة النيابة العامة قد
وضعت إطارا صارما يوازن بين متطلبات الأمن والعدالة وبين صون حرية الأفراد، مؤكدة
أن الزمن الذي كانت فيه برقيات البحث تصدر بشكل اعتباطي قد ولى، لتحل محله مقاربة
جديدة تقوم على الشرعية القانونية والتدبير المحكم.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك