المغرب بين الانفتاح والانضباط..تقرير أمريكي يعرّي بيئة العمل الخيري ويحذر من هامش الحقوق الضيق

المغرب بين الانفتاح والانضباط..تقرير أمريكي يعرّي بيئة العمل الخيري ويحذر من هامش الحقوق الضيق
بانوراما / الاثنين 02 يونيو 2025 - 18:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:أيوب الفاتيحي

في تقرير جديد يحمل طابعًا تحليليًا معمقًا حول بيئة العمل الخيري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، سلطت “كلية ليلي للعائلة للأعمال الخيرية” بجامعة “إنديانا” الأمريكية الضوء على السياقات القانونية والمالية التي تنشط فيها المنظمات الخيرية في 13 بلداً، بينها المغرب، كاشفًا عن مشهد متشابك تتداخل فيه الفرص بالتحديات، والانفتاح بالرقابة.

التقرير المعنون بـ “مؤشر بيئة العمل الخيري العالمي لسنة 2025” يُظهر المغرب كحالة وسطى، تختلف عن صرامة الخليج ولا تشبه تمامًا ليبرالية بعض الدول المجاورة.

بخلاف أغلب الدول التي تتيح أشكالاً متعددة من الكيانات الخيرية، يبقى "الجمعية" هو الشكل الوحيد المسموح به في المغرب. هذا الإطار القانوني المحدود يضع المملكة خلف دول مثل الأردن أو تركيا التي تمنح خيارات تنظيمية أكثر مرونة، مثل "المؤسسات" أو "الشركات غير الربحية". كما أن تأسيس الجمعيات في المغرب يخضع لنظام الترخيص المسبق، ما يعني أن السلطات تحتفظ بسلطة تقييم وقبول إنشاء أي جمعية، وهي ممارسة تصنّفها بعض المؤسسات الحقوقية الدولية باعتبارها آلية غير مباشرة للرقابة.

وفيما يخص التمويل، أكد التقرير أن الإعفاءات الضريبية الممنوحة للجمعيات في المغرب محدودة، حيث لا تتعدى 5 بالمائة من الدخل الخاضع للضريبة، ولا تُمنح إلا للجمعيات المصنفة ضمن "النفع العام". بالمقارنة، تتيح تركيا خصماً ضريبياً يصل إلى 10 بالمائة، كما تُعفى العديد من منظماتها من ضريبة القيمة المضافة، وهو ما لا ينطبق على نظيرتها المغربية.

وبالنسبة للتعاملات الدولية، شدد التقرير على أن المغرب يُبقي على قيود صارمة تتعلق بتلقي التمويلات الأجنبية، بدعوى الحفاظ على الأمن القومي، حيث يشترط التصريح المسبق والدفع الضريبي عن كل دعم مالي يأتي من الخارج، باستثناء الجمعيات المصنفة ضمن النفع العام. هذه السياسة تشترك فيها المملكة مع بلدان مثل الأردن وقطر، في إطار إقليمي أوسع يسعى إلى فرض رقابة صارمة على حركة الأموال، خصوصًا في ظل مخاوف متصاعدة من غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

اقتصاديًا، سجل المغرب نموا في الدخل القومي الإجمالي للفرد بلغ 13.48 في المائة بين 2021 و2023، ليصل إلى 9600 دولار بالقيمة الشرائية، وهو رقم إيجابي لكنه لا يرقى إلى معدل النمو المسجل في تركيا أو الإمارات، ولا حتى إيران. هذا النمو الاقتصادي، رغم محدوديته، يمثل أرضية واعدة لتطوير العمل الخيري، لكنه يظل رهيناً بتحديث المنظومة القانونية والضريبية لتشجيع الفاعلين.

من حيث الشفافية، تُلزم الدولة المغربية الجمعيات بإعداد تقارير مالية دورية، غير أن التقرير لم يُشر إلى وجود نظام عقوبات صارم، كما هو الحال في مصر التي تفرض غرامات تصل إلى 60 ألف دولار على الجمعيات غير المسجلة. ومع ذلك، فإن الدعم الرسمي للجمعيات في المغرب يظل مشروطًا بالامتثال الكامل للقانون، وقد يتم تجميده في حال المخالفة، كما هو الحال في السعودية وقطر.

ورغم هذا الانضباط القانوني، أشار التقرير إلى وجود دعم رسمي للمنظمات الناشطة في قضايا اجتماعية وبيئية، مع التركيز على الأبعاد التنموية وعدم السماح بالتحول إلى العمل الحقوقي أو المناصراتي، خاصة في ملفات تتعلق بالحريات أو مساءلة السياسات العامة. فالمجال متاح لتقديم خدمات، لكنه لا يفتح الباب للمرافعة أو التأثير السياسي، وهو توجه شبيه بنموذج الدول الملكية التي تُبقي على مساحة آمنة للعمل الخيري لكنها تُفرغ العمل الحقوقي من فعاليته.

في المقابل، لا تزال منظمات المناصرة والحقوق في المغرب تُواجه تضييقاً تدريجياً، وفق التقرير، إلى جانب دول مثل الأردن وتركيا. بينما يُمنع هذا النوع من المنظمات كلياً في الخليج، مما يجعل المغرب في موقع رمادي: لا هو منفتح بالكامل، ولا هو مغلق بشكل تام، بل يوازن بين الهواجس الأمنية ومقتضيات التنمية الاجتماعية.

باختصار، يعكس التقرير واقعاً معقداً للعمل الخيري في المغرب، حيث تتوفر فرص التمويل والتأثير الاجتماعي لكن ضمن إطار قانوني صارم يضبط الخطوط الحمراء التي لا يُسمح بتجاوزها. وبينما يُعد هذا النموذج أكثر تحرراً من دول عربية أخرى، فإنه يظل بعيداً عن بيئة الحريات المفتوحة التي تتيحها دول أوروبية أو حتى بعض البلدان ذات الأنظمة الليبرالية في المنطقة. ويطرح التقرير في مجمله سؤالاً مركزياً: هل يمكن للمغرب، في ظل التوازن الدقيق بين الانفتاح والرقابة، أن يتحول إلى نموذج إقليمي ناجح في العمل الخيري المستدام، أم أن هذا الحقل سيبقى محكوماً باعتبارات أمنية وسياسية تُقيد توسعه وفعاليته؟

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك