أنتلجنسيا المغرب:للا الياقوت
هزّت فضيحة مدوية الرأي العام الوطني، بعدما تم الكشف عن تورط أستاذ جامعي، يُعرف إعلاميًا بـ"قليش"، في شبكة لبيع الشهادات الجامعية العليا، بما فيها شواهد الماستر والدكتوراه، مقابل مبالغ مالية ضخمة.
الواقعة، التي تحولت إلى قضية رأي عام، فجّرت غضبًا واسعًا في الأوساط الأكاديمية، بعد أن كشفت التحقيقات الأولية للفرقة الوطنية للشرطة القضائية أن الأستاذ المذكور راكم ثروة غير مبررة، أبرزها وجود 8 مليارات سنتيم (80 مليون درهم) في حسابات زوجته، ما يطرح علامات استفهام حول طبيعة هذه الأموال ومصادرها.
من هو “قليش”؟ كيف بدأت الخيوط؟
الأستاذ الجامعي الملقب بـ“قليش” يُدرّس في إحدى الجامعات العمومية الكبرى، ويُعرف بعلاقاته المتشعبة داخل الوسط الجامعي والنقابي، خصوصًا داخل النقابة الوطنية للتعليم العالي.
بدأت الشكوك تحوم حوله بعد تزايد عدد الحالات المشبوهة لشواهد عليا تم الحصول عليها في ظروف غير عادية، وخصوصًا من طرف طلبة لا يظهر عليهم أي تفوق علمي أو أكاديمي.
إحدى الشكايات التي قُدمت من طرف زميل له كانت بداية تفكيك الشبكة، ليتبين لاحقًا أن المعني بالأمر كان يعرض خدماته بمقابل مادي ضخم، ويمنح شهادات لا تُعبّر عن أي مجهود علمي حقيقي، في خرق صارخ للقانون والأخلاقيات المهنية.
8 مليارات في الحساب... والزوجة في الواجهة
من أبرز ما فجّر القضية وأعطاها بعدًا خطيرًا، هو اكتشاف حسابات بنكية ضخمة باسم زوجة “قليش”، تحتوي على مبالغ مالية تُقدّر بـ 80 مليون درهم، ما يعادل 8 مليارات سنتيم.
وبحسب مصادر قريبة من التحقيق، فإن الأموال تم تحويلها على شكل دفعات، بعضها من طلبة، وبعضها الآخر من "وسطاء" في التعليم العالي، وهو ما يُرجّح فرضية وجود شبكة منظمة تضم موظفين وأساتذة وفاعلين نقابيين.
زوجة “قليش”، التي تُمارس نشاطًا تجاريًا بسيطًا، لم تستطع تبرير مصدر تلك الأموال أمام المحققين، ما دفع السلطات إلى تجميد الحسابات والتحقيق معها بتهمة التستر على عائدات غير مشروعة.
بيع الماستر والدكتوراه.. من المذنب الحقيقي؟
في الوقت الذي تم فيه توقيف “قليش”، برزت تساؤلات حارقة داخل الرأي العام:
هل كان وحده داخل الجامعة؟ من كان يغطي عليه؟ من كان يربح معه؟
تُشير مصادر مطلعة إلى أن بعض رؤساء الشُّعب واللجان العلمية داخل الكليات كانوا على علم بهذه الممارسات، أو على الأقل يتغاضون عنها مقابل امتيازات، خصوصًا أن الترقيات داخل الجامعة غابًا ما تمر عبر شبكات النفوذ والتزكية.
أما النقابة الوطنية للتعليم العالي، والتي كان “قليش” عضوًا فيها، فتتحمل جزءًا كبيرًا من المسؤولية، حسب حقوقيين، لأنها:
لم تفتح أي مسطرة داخلية رغم الشكايات المتكررة.
وفّرت مظلة الحماية للعديد من الأساتذة المتورطين في خروقات مماثلة.
مارست الضغط على الإدارات الجامعية لتفادي المحاسبة.
وقد وصف أحد الأساتذة المنتمين للنقابة ما يجري بـ"المافيا الأكاديمية"، مضيفًا أن:
"الشهادات العليا أصبحت في متناول من يدفع أكثر، بينما الطلبة النزهاء يُحرمون من فرصهم بسبب المحسوبية والزبونية."
ردود فعل غاضبة.. والمجتمع يطلب المحاسبة
في سياق هذه الفضيحة، شهدت شبكات التواصل الاجتماعي حملة واسعة من الغضب الشعبي، حيث اعتبر المواطنون أن ما حدث يُفقد الشواهد المغربية مصداقيتها، ويهدد العدالة الاجتماعية والمساواة في الفرص.
وطالبت العديد من الأصوات بإقالة مسؤولي الكلية المعنية، وفتح تحقيق وطني شامل حول كل الشواهد العليا التي تم الحصول عليها خلال السنوات العشر الأخيرة، مع التدقيق في معايير تسجيل طلبة الدكتوراه.
جمعية "ترانسبرانسي المغرب" طالبت الحكومة بـ:
تجفيف منابع الفساد الجامعي.
إخضاع الأساتذة لمراقبة مالية صارمة.
فتح قنوات التبليغ الآمن عن الفساد داخل الحرم الجامعي.
وزارة التعليم العالي.. صمت مريب؟
رغم جسامة الفضيحة، لا يزال الرد الرسمي لوزارة التعليم العالي خجولًا، حيث اكتفت بتصريح مقتضب وعدت فيه بفتح تحقيق داخلي، دون أي إجراءات فورية تُطمئن الرأي العام الجامعي.
هذا الموقف الضعيف أثار انتقادات واسعة، إذ يرى فاعلون أن الوزارة كان يجب أن تبادر بـ:
إيفاد لجنة افتحاص شاملة إلى الجامعة المعنية.
تعليق الاعتماد الأكاديمي لشعب الماستر المشبوهة.
تقديم تقرير مفصل حول شبكات الغش و"البزنسة" داخل الكليات.
الجامعة المغربية على المحك
قضية "قليش" ليست مجرد حالة فساد معزولة، بل عرضٌ لمرض بنيوي ينخر التعليم العالي بالمغرب، وتهديدٌ مباشر لمستقبل الأجيال، إذا لم تتم محاسبة كل المتورطين من أعلى الهرم إلى أصغر مسؤول إداري.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك