بنكيران و"عصير الليمون".. عودة مشبوهة برائحة الشعبوية وركوب على بؤس الفقراء

بنكيران و"عصير الليمون".. عودة مشبوهة برائحة الشعبوية وركوب على بؤس الفقراء
بانوراما / الخميس 08 مايو 2025 - 12:00 / لا توجد تعليقات:

أنتلجنسيا المغرب:فهد الباهي/م.إيطاليا

في مشهد يبدو مألوفاً لمن اعتاد على مسرحيات السياسة الاستعراضية، عاد "عبدالإله بنكيران"، رئيس الحكومة السابق، ليمارس هوايته المفضلة، تقمص دور القريب من الناس، هذه المرة، لم يكن الخطاب هو وسيلته، الترويج لصورة التقطت له وهو يحتسي كأس عصير ليمون من شاب بسيط يبيع سلعته قرب، وعلى مائدة صور حديقة على مائدة عادية لا تصلح حتى لعربات الأكل المتنقل "زحافة".

الصورة، التي اجتاحت منصات التواصل "فيسبوك"، ليست جديدة من حيث الشكل، فقد سبقه إلى هذا المشهد رفيقه السابق "عبدالعزيز الرباح" في صناعة الفرجة، حين اختار "البيصارة" وسيلة دعائية في مقهى شعبي قبل أن يغادر السفينة ويؤسس مسارا سياسيا جديدا.

لكن ما تغير هو السياق، "بنكيران" يعود الآن إلى الواجهة بعد طول غياب، لا ليقدم حلا، بل ليروج للوهم نفسه الذي أوصل البلاد إلى ما هي عليه.

منذ مغادرته رئاسة الحكومة، توارى "بنكيران" عن الأنظار، ولم يظهر إلا في لحظات بعينها، حيث تتقاطع مصالحه مع موجات السخط الشعبي أو الهزات السياسية، واليوم، في زمن أزمة خانقة يعيشها الشباب المغربي، يخرج علينا بصورة عفوية مدروسة، وكأن كأس الليمون هذا هو حل البطالة والتهميش، وكأن المشكل في "المائدة" لا في السياسات التي أعادت آلاف الشباب إلى الشارع.

ما لا يقوله بنكيران هو أن الشاب الذي يبيع العصير كان من المفترض أن يكون موظفاً، عاملاً، مقاولاً شاباً في دولة تضع برامج حقيقية للتشغيل والتأهيل. ولكن، كيف لذلك أن يحدث وقد فشلت حكومته السابقة في بناء نموذج تنموي شامل، مكتفية بشعارات الإصلاح ومحاربة الفساد، قبل أن تتورط في تمرير قرارات أجهزت على الطبقة المتوسطة؟

عودة "بنكيران" ليست مجرد نزهة إلى الأسواق الشعبية أو جولة ليلية، بل هي محاولة لإعادة صياغة صورته السياسية، على حساب معاناة الناس، فبدلاً من الاعتراف بالإخفاقات، يفضل الرجل أن يُسَوِّق لذاته كـ"سياسي متواضع"، ناسياً أن التواضع الحقيقي لا يُقاس بعدد أكواب العصير التي تشربها، بل بعدد فرص الشغل التي تصنعها.

ولم يكن غريباً أن يختار الظهور في فضاء الهامش، حيث الغضب صامت والفقر ناطق بوجع الواقع، فقد تعوّد "بنكيران" على الركوب على معاناة المهمشين ليبرر فشله، ويُذَكِّر الناس بأنه لا يزال موجوداً في الذاكرة، وإن لم يعد حاضراً في الفعل.

الأدهى من ذلك أن الخطاب الشعبوي الذي عاد به "بنكيران" يُعبّد الطريق نفسه الذي سلكه عبدالعزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالي، الذي وإن اختلف عنه في الشكل، يشبهه تماماً في المضمون: وعود كثيرة، واقع متأزم، وبرامج معلقة لا تصل إلى الأرض.

الشعب المغربي لا يحتاج إلى صور مُعدة بعناية في الأزقة، بل إلى سياسات جادة تستأصل الجذور العميقة للبطالة والفقر، وإلى رجال دولة لا يتخذون من كؤوس الليمون ولا صحون البيصارة جسوراً للعودة إلى الحكم، بل من الإنجاز الحقيقي سلّماً للاحترام والثقة.

إن كانت صورة "بنكيران" تحمل رمزية، فهي ليست رمزية التواضع، بل رمزية الإخفاق المزدوج، إخفاق في الحكم، وإخفاق في الاعتراف بالمسؤولية.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك