أنتلجنسيا المغرب:لبنى مطرفي
في واحدة من أبشع الجرائم التي شهدها المغرب مؤخرًا، اهتز دوار سيدي الطيبي على وقع جريمة قتل مأساوية راحت ضحيتها الطفلة الصغيرة جيداء.
الجريمة التي شغلت الرأي العام المغربي، لم تكن فقط بسبب بشاعتها، بل بسبب التفاصيل الصادمة التي رافقتها، والتي انتهت بالكشف عن القاتل في سيناريو لم يكن متوقعًا على الإطلاق.
اليوم الأول.. بحث مضنٍ ومفاجآت صادمة
فور اختفاء الطفلة جيداء، انطلقت عمليات البحث المكثفة، حيث تجندت عناصر الدرك الملكي، مدعومة بسكان الدوار، في محاولة للعثور على أي أثر يقود إلى مكانها. وكان من بين المشاركين في عمليات البحث شخص لم يكن أحد يشك فيه آنذاك: عم الضحية نفسه.
بحسب مصادر قريبة من التحقيق، كان عم الطفلة جيداء يظهر برودة غير عادية، ويتحرك بثقة في النفس، دون أن تثير تصرفاته أي ريبة. بل إنه كان يساعد الدرك في البحث، بل ونزل معهم إلى المطمورة التي عُثر فيها لاحقًا على الجثة، في مشهد درامي لم يكن أحد يدرك أبعاده الحقيقية في ذلك الوقت.
اليوم الثاني.. قائد الدرك يشير إلى المشتبه به
مع مرور الساعات، بدأت التحقيقات تتخذ منحى جديدًا. فبعد العثور على جثة الطفلة جيداء، عقد المسؤول الأول عن الدرك بسيدي الطيبي اجتماعًا مع عناصره، مؤكدًا لهم أن القاتل موجود داخل الدوار، وطالبهم بالتركيز على الأشخاص المشبوهين أو غير الملتزمين أخلاقيًا وقانونيًا.
وبينما كان أفراد الدرك يتداولون حول المشتبه بهم المحتملين، أشار أحدهم إلى معلومة بدت للوهلة الأولى غير مهمة، لكنها سرعان ما تحولت إلى المفتاح الذي قاد إلى الحقيقة: أحد أعمام الضحية سبق أن تم تقديمه للعدالة بتهمة التحرش الجنسي.
التحقيق مع العم.. تناقضات واعتراف مدوٍّ
بناءً على هذه المعلومة، تم استدعاء عم الطفلة جيداء إلى مركز الدرك، حيث بدأ التحقيق معه. في البداية، حاول المتهم إنكار أي علاقة له بالجريمة، وأدلى بأقواله بثقة تامة، لكن عندما تمت مواجهته بأفراد أسرته، بدأ التناقض يظهر في تصريحاته.
أفراد العائلة أكدوا أن تصرفاته في يوم الجريمة كانت غريبة، وأنهم لم يتمكنوا من تحديد مكان تواجده بدقة في الوقت الذي اختفت فيه جيداء. كما أن شهادات الجيران وسكان الدوار أظهرت تضاربًا كبيرًا في أقواله، ما جعله يدخل في حالة ارتباك واضحة.
لم يستغرق الأمر طويلًا قبل أن ينهار المشتبه فيه ويعترف بجريمته البشعة. في اعترافاته، قدم تفاصيل صادمة عن كيفية استدراجه للطفلة، والطريقة التي نفذ بها جريمته، دون أن يظهر أي ندم أو تأثر، وهو ما زاد من فظاعة الواقعة.
ردود فعل صادمة.. عدم ندم وبشاعة الجريمة
المثير في القضية أن الجاني، رغم مواجهته بالحقيقة، لم يبدِ أي علامات ندم أو حزن، ولم تظهر عليه أي انفعالات عاطفية، وهو ما أثار استغراب المحققين. مصادر مقربة من التحقيق أكدت أن العم كان يتحدث عن الجريمة وكأنها مجرد واقعة عادية، دون دموع، ودون أي تأثر، ما عزز الفرضية بأنه شخص بارد المشاعر وخطير اجتماعيًا.
كيف انكشفت الجريمة؟ تفاصيل التحقيق المحكم
كشف المحققون أن الوصول إلى الحقيقة لم يكن سهلًا، وأن عدة عوامل ساهمت في كشف الجاني بسرعة، من بينها:
التحليل المنطقي للقضية: منذ البداية، ركز قائد الدرك على فرضية أن القاتل من داخل الدوار، ما قاد إلى تضييق دائرة المشتبه بهم بسرعة.
المعلومة الحاسمة: إشارة أحد عناصر الدرك إلى السجل الإجرامي للعم لعبت دورًا حاسمًا في التحقيق، حيث قادت إلى التركيز عليه.
التناقضات في الأقوال: عند استجواب المتهم، ظهرت تناقضات بين تصريحاته وشهادات عائلته وسكان الدوار، مما جعله يدخل في حالة ارتباك أدت إلى اعترافه.
صدمة في الدوار.. كيف استقبل السكان الخبر؟
بعد انتشار خبر اعتقال العم باعتباره القاتل، سادت حالة من الذهول والصدمة في دوار سيدي الطيبي. لم يكن أحد يتخيل أن يكون القاتل فردًا من العائلة، بل شخصًا شارك بنفسه في البحث عن الضحية.
أفراد الأسرة، الذين كانوا يبحثون عن الطفلة بحزن وأمل، تحولوا فجأة إلى ضحايا لمأساة أخرى، بعدما اكتشفوا أن أحد أقربائهم هو الجاني. الجيران بدورهم لم يصدقوا أن الرجل الذي كان يعيش بينهم، والذي لم يكن يثير الشكوك، يمكن أن يكون وحشًا مختبئًا في هيئة إنسان.
التحليل النفسي للقاتل..كيف يمكن لشخص أن يرتكب جريمة كهذه دون ندم؟
بعد إلقاء القبض عليه، بدأ الخبراء النفسيون في تحليل شخصية الجاني، حيث رجح بعضهم أنه يعاني من اضطراب نفسي شديد، يجعله يفتقر إلى الإحساس بالذنب أو التعاطف.
كما أن سوابقه في قضايا التحرش الجنسي أشارت إلى أنه ربما كان يشكل خطرًا منذ سنوات، لكن لم يتم التعامل مع ذلك بالجدية الكافية، مما يطرح تساؤلات حول ضرورة مراقبة الأشخاص ذوي السوابق بشكل أكثر دقة لمنع تكرار مثل هذه الجرائم.
مأساة تسائل الضمير المجتمعي
جريمة مقتل الطفلة جيداء ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي ناقوس خطر يدق لتنبيه المجتمع إلى مخاطر الإهمال والتغاضي عن السلوكيات المشبوهة لبعض الأفراد. كما أنها تفتح النقاش حول دور العائلة والمجتمع والسلطات في حماية الأطفال من الاعتداءات، وضمان عدم تكرار مثل هذه الفواجع.
اليوم، بينما ينتظر الجميع العدالة للضحية الصغيرة، يبقى السؤال الأهم: كم من "عم" آخر يعيش بيننا دون أن نعلم؟
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك