كاميرا قبل الحقيقة:حين يهدد التسجيل السمعي-البصري قرينة البراءة

كاميرا قبل الحقيقة:حين يهدد التسجيل السمعي-البصري قرينة البراءة
مقالات رأي / الإثنين 22 دجنبر 2025 / لا توجد تعليقات:

بقلم:ادريس السدراوي/الممكلة المغربية في: 22/12/2025/رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان

    قدَّم التسجيل السمعي-البصري للاستنطاق في قانون المسطرة الجنائية المغربي رقم 03.23 باعتباره خطوة متقدمة لحماية المتهم من التعذيب وسوء المعاملة وتعزيز الشفافية داخل البحث التمهيدي. غير أن قراءة هادئة وحقوقية للنص القانوني تكشف أن هذه الآلية، في صيغتها الحالية، قد تتحول من ضمانة حقوقية إلى خطر حقيقي على قرينة البراءة وجوهر المحاكمة العادلة.

  حيث تنص المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية، كما تم تعديلها، على تسجيل الاستنطاق سمعيًا وبصريًا عندما يتعلق الأمر بجنايات أو جنح يُعاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية، مع إمكانية الاستغناء عن التسجيل بقرار معلل لأسباب تقنية أو لضرورات البحث.

  وهنا يبرز سؤال بسيط لكنه جوهري: كيف يمكن تحديد أن الأفعال تشكل جناية أو جنحة قبل الاستماع إلى المتهم أصلًا؟

 المنطق القانوني السليم يقتضي أن السماع هو الذي يكشف الوقائع، وأن الوقائع هي التي تسمح بالتكييف القانوني، لا العكس. غير أن الصيغة الحالية للنص تفترض عمليًا أن ضابط الشرطة القضائية يعرف مسبقًا نوع الجريمة والتهمة المحتملة، وهو لم يستمع بعد إلى أقوال المعني بالأمر. وهذا لا يمكن أن يتم إلا عبر التخمين أو تبنّي فرضية اتهام مسبقة، وهو ما يقلب مسار البحث الجنائي رأسًا على عقب.

 بهذا المنطق، يتحول الاستنطاق من لحظة بحث عن الحقيقة إلى لحظة تثبيت لاتهام تم حسمه ذهنيًا قبل السماع. والأخطر أن هذا الاستنطاق يتم تصويره بالصوت والصورة، فيتحول التسجيل من وسيلة حماية إلى أداة ضغط نفسي، خصوصًا على الأشخاص في وضعية هشاشة أو خوف أو صدمة ناتجة عن الاعتقال.

 الإشكال، إذن، لا يكمن في الكاميرا ولا في التسجيل السمعي-البصري في حد ذاته، بل في توقيت استعماله وفلسفته. فعندما يُصوَّر استنطاق بُني على افتراض الإدانة، فإن التسجيل لا يوثّق بحثًا حرًا ومحايدًا، بل يوثّق مواجهة غير متكافئة أو اعترافًا منتظرًا، وهو ما يمس مباشرة الحق في الصمت والحق في الدفاع.

ويزداد هذا الخطر حين لا يكون التسجيل السمعي-البصري حقًا عامًا ومضمونًا للجميع، بل إجراءً انتقائيًا يمكن الاستغناء عنه بقرار معلل. ففي هذه الحالة، نفقد مبدأ المساواة أمام الإجراءات، وتتحول الضمانة إلى أداة قابلة للتوظيف حسب طبيعة الملف أو الشخص المعني.

 هذا الوضع يتعارض مع جوهر المحاكمة العادلة كما نصت عليها المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تشدد على ضرورة معاملة كل شخص على أساس قرينة البراءة، وعدم افتراض الإدانة قبل صدور حكم نهائي. فالإجراءات، مهما بدت حديثة أو تقنية، تفقد قيمتها الحقوقية متى بُنيت على افتراض مسبق بالذنب.

ما يمكن أن الخص به مقالي أن الخطر ليس في التسجيل السمعي-البصري ولا في رجال إنفاذ القانون، بل في ربطه بتحديد التهمة قبل السماع، وفي تكليف الضابطة القضائية بالتخمين، وفي تصوير استنطاق بُني على افتراض الإدانة لا على البحث عن الحقيقة. وإذا أُريد لهذا الإجراء أن يكون مكسبًا فعليًا، فيجب إعادة بنائه على أساس قرينة البراءة، وجعله حقًا عامًا ومضمونًا، لا شاهدًا مصوَّرًا على إدانة مسبقة.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك