بقلم : الدكتور محمد احدو
هيمنت في
الآونة الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي ظاهرة انتشار صور وتسجيلات لمداخلات
المشاركين في المشاورات التي انطلقت في العمالات والأقاليم حول موضوع التنمية. لقد
تحول هذا الزخم التواصلي إلى ساحة للتنافس بين المدعوين، يدور محورها حول من
يستطيع أن يظفر بلقب "المتحدث البارع"، حيث تتسابق الخطب الإنشائية
وتُشارك بلهفة عبر المنصات الرقمية للتفاخر والانتشار.
إن هذا
المشهد، على الرغم من حركيته اللافتة، يفرض علينا وقفة تأمل حاسمة: هل التنمية
المحلية مجرد سلسلة من الشعارات البراقة والخطب الرنانة التي تُلوكها الألسن وتُبث
عبر شبكات التواصل، أم أنها سعي عميق ومُلزم نحو التغيير الفعلي؟
في حقيقة
الأمر، تتجاوز التنمية المحلية جوهر الحديث "البارع" أو الإلقاء الجذاب
الذي يهدف إلى الإعجاب اللحظي وحصد التفاعلات الرقمية. إنها ليست مسابقة في
الفصاحة أو القدرة على استعراض القدرات اللغوية ودرجة الحديث عن المشاكل أمام الكاميرات التي يحملها معهم المحديثون او
يكلفون بها غيره لتوثيق مداخلاتهم ، بل هي مسؤولية وطنية وفعل متواصل ومنضبط. يكمن
الفرق الجوهري بين ما يُقال في المشاورات وما تتطلبه التنمية الفعلية في التحول من
مرحلة التنظير إلى مرحلة التنزيل الملموس؛ فالكلمات الجميلة مهما بلغت من قوة لا
تستطيع أن تبني مشروعًا أو توفر وظيفة أو تعالج تعثراً في ورش ما.
إن الانشغال
المفرط بإنتاج محتوى "المتحدثين البارعين" بغرض التقاسم والتداول عن
المشكلات الحقيقية التي تواجه الساكنة على أرض الواقع. يجب أن يكون الهدف الأسمى
هو إصلاح الأوراش المتأخرة، وتلبية المطالب المعيشية الأساسية، لا مجرد حصد
الإعجابات والمتابعات.
لكي تكون
هذه المشاورات نقطة انطلاق حقيقية للتنمية المستدامة، يجب أن يتحول النقاش من مجرد
تبادل للخطب إلى تأكيد حاسم للمطالبة بإصلاح حقيقي وجذري لكل الأوراش المعنية
بالتنمية المحلية. هذا الإصلاح يتطلب، بالضرورة، تفعيل مبدأ المحاسبة؛ إذ لا يمكن
لأي مشروع تنموي أن يستمر وينجح دون ربط المسؤولية بمحاسبة صارمة وشفافة. يجب أن
يكون هناك تقييم دوري ودقيق لمدى التزام المسؤولين بتنفيذ الخطط والوعود، مع تصحيح
فوري لأي تقصير أو انحراف.
كما أن
التنمية لا تقاس بعدد المداخلات التي انتشرت، بل بمدى تحقق التنزيل الواقعي
والعملي للمشاريع في آجال محددة، وبمدى تأثيرها الإيجابي والملموس على حياة
المواطنين في الأقاليم والعمالات.
وفي الختام،
بينما يُعد استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لنقل هموم التنمية أداة عصرية وفاعلة،
فإنه يجب أن يظل وسيلة للضغط الإيجابي من أجل الإصلاح الفعلي والشفاف، وليس غاية
للاحتفاء بالخطيب الأكثر بلاغة. ينبغي لهذا الزخم التواصلي أن يتحول إلى قوة دافعة
نحو التنفيذ الواقعي وتفعيل المحاسبة، لأن التنمية الحقيقية لا تتفاخر بالقول، بل
تثبت وجودها وتأثيرها الملموس على الأرض.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك