بقلم:ادريس الكنبوري
استمعت إلى خطبة الجمعة الموحدة ما قبل الأخيرة التي ما زالت تثير جدلا، وتابعت الجدل الذي ما زال مستمرا بين المنتقدين والمرحبين.
وكانت الخطبة تنصب على علاقة القوانين الموجودة في المغرب بمقاصد الشريعة، وأنها استمداد منها وموضوعة لحفظ المقاصد الخمسة المعروفة. وقد لاحظت أن الخطيب في المسجد الذي صليت فيه قال بعد أن دعا إلى احترام القوانين والدستور جملة"لكن بما يوافق الشريعة" ولم أعرف هل هي من عنده أم من عند كاتب الخطبة.
الخطبة ذكرت عبارة العقد الاجتماعي، وهي عبارة جديدة في خطب الجمعة في المغرب استعملت لأول مرة فيما أزعم، ولا أعرف هل من كتب الخطبة الموحدة يقصد العقد الاجتماعي بين المواطن والدولة كوحدة سياسية أم يقصد العقد الذي بينه وبين الملكية؟.
فإذا كانت الأولى فهذا يعني أن الدولة تريد علمنة الرابطة السياسية بينها وبين المواطن، واخراج تلك الرابطة من التقليد إلى التجديد، ومن هنا دفاع البعض عن الخطبة لأنها بالنسبة إليهم دليل الاختيار الحداثي للدولة.
وإذا كان القصد هو العقد الاجتماعي بين المواطن والملكية فهذا يعني أن الخطبة كانت انزلاقا عن المفهوم الشرعي لهذا العقد الخيالي وهو البيعة، ومن هنا انتقاد البعض الآخر للخطبة بوصفها علمنة للمفاهيم الشرعية.
والخطبة الموحدة هي بالطبع توجيه للرأي العام المسجدي، ولها أهمية بالنسبة للدولة ومشروعها الديني، وإلا لما كانت هناك جدوى لإعفاء الخطباء ومعاقبتهم على ما يقولونه من فوق المنبر. وإذن، فالخطبة المذكورة خطبة مقصودة ومعدة بعناية ولها أهداف، لكن ما هي؟.
منذ عقود والمغاربة يسعون إلى تقريب مفهوم البيعة من مفهوم العقد الاجتماعي، وفي عهد الحسن الثاني نظمت وزارة الأوقاف ندوة دولية بالعيون في نهاية الثمانينات حول البيعة وصدرت أعمالها في مجلدين ضخمين، تدور كلها حول تأصيل البيعة، فلماذا اللجوء اليوم إلى مفهوم العقد الاجتماعي بعد كل هذه الجهود التأصيلية؟ وهل معنى ذلك أن المفاهيم الشرعية في السياسة فقدت قدرتها على التفسير؟ أم أن الدولة تريد الفصل بين العقد الذي يربطها بالمواطن على أساس مدني، وبين العقد الذي يربط المواطن بالملكية على أساس ديني؟.
لكن المشكلة أن هذه الخطبة لم تثر نقاشا بين المثقفين الذي يكتبون ويؤلفون عن الدولة والجماعة والسلطة وينتقدون التراث السياسي الإسلامي، رغم خطورتها، مما يعني أمرين، الأول أن كثيرا من هؤلاء يفكرون من خارج المجتمع، والثاني أنهم ليسوا من رواد المساجد حيث يصنع السياسة بالدين.
لا توجد تعليقات:
للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.
أضف تعليقك