بيان عدلاوة تنكّرٌ للنصر وتبخيسٌ للفرحة وتصفية حساب

بيان عدلاوة تنكّرٌ للنصر وتبخيسٌ للفرحة وتصفية حساب
مقالات رأي / السبت 08 نوفمبر 2025 - 02:19 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

بقلم : سعيد الكحل

أصدرت جماعة العدل والإحسان، على غير عادتها فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، بيانا بتاريخ 2 نونبر 2025، يكشف عن تناقضات الجماعة ومحاولة استغلال الحدث التاريخي لتبخيس فرحة الشعب وخروجه إلى الشوارع في كل المدن المغربية مبتهجا بالنصر.

تنكّر الجماعة لمركزية الوحدة الترابية.

معلوم أن الجماعة تسعى لإقامة "دولة القرآن" على أنقاض "دولة السلطان" في أفق بناء "نظام الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة". الأمر الذي جعل الجماعة تعادي النظام الملكي وترفض إطلاقا تزكية مؤسساته أو الاعتراف بشرعيته أو الانخراط في مؤسساته الدستورية. ومن ثم فإن الجماعة تعتبر قضية الصحراء المغربية قضية ثانوية لا ينبغي أن تشغلها عن مشروعها السياسي المتمثل في توحيد الأمة وإقامة الخلافة. لهذا ترفض الجماعة تبديد جهودها واستفراغ طاقاتها في الانشغال بمشاكل الحدود بين الدول العربية/الإسلامية أو التموقف من نزعات الانفصال، تأييدا أو معارضة، لأنها، حسب الجماعة، مشاكل مصطنعة ناتجة عن غياب نظام الخلافة وتفكك الأمة لأسباب ذاتية (الولاء للإثنية أو العرق أو المذهب..) أو تاريخية (سيطرة الاستعمار). من هنا تعتبر الجماعة أن الانشغال بإقامة أنظمة إسلامية في كل دولة عربية/ إسلامية أجدى وأهم من الانشغال بمشاكل الحدود الموروثة عن الاستعمار.

بناء على هذه الخلفية الإيديولوجية للجماعة، قررت اتخاذ موقف المتفرج من بعض الأحداث المفصلية التي عرفها المغرب (تطهير معبر الـﯕرﯕرات من عصابات البوليساريو، الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، ثم الاعتراف الفرنسي بالسيادة المغربية على الصحراء) وكأنها غير معنية بها. بينما نجدها تستنفر كل تنظيماتها للاحتجاج والتظاهر ضد تصريح مسئول أمريكي أو إسرائيلي ضد غزة، فضلا عن احتلال الشوارع والساحات العمومية طيلة الحرب على غزة.

ويجدر التذكير هنا بأن مرشد الجماعة، الشيخ ياسين، راهن على قضية الصحراء لتكون "ضربة قاضية" تعجّل بنهاية النظام. ففي "مذكرة إلى من يهمه الأمر" سنة 1999، اعتبر قضية الصحراء، من جهة، "إرث مسموم خلّفه العهد الغابر، إرث خلّفته سياسة التعاظم الدائسة على كرامة الرعية"، ومن أخرى، توهّم أن مسألة الصحراء ستكون "ضربة قاضية" للنظام الملكي إلى جانب ضربة "الانفتاح على السوق العالمي" كالتالي: "وقد أصبحت الضرورة تفرض التدخل العاجل والحاسم قبل أن يتلقى البناء المنخور ضربة قاضية من أحد هذين الاستحقاقين: مسألة الصحراء وانفتاح السوق العالمي بعد عشر سنوات".

رحل الشيخ ياسين عن دار الفناء ورحلت معه أوهامه ومناماته الخرافية، وها هو مجلس الأمن ينتصر للمغرب ويكرس المشروعية الدولية لسيادته على أقاليمه الصحراوية المسترجعة، وخرج الشعب المغربي بكل فئاته فرحا مبتهجا بالقرار الأممي، وهو الشعب الذي ظل ياسين يحرضه ضد النظام؛ فيما الانفتاح على السوق العالمي واتفاقيات التبادل الحر مع أوربا وأمريكا يزيدان مكاسب المغرب من التصنيع والتصدير والاستثمارات الدولية المهمة التي مكّنته من مضاعفة إنتاجه الداخلي الخام أزيد من ثلاث مرات منذ 1999.

إن عداء مرشد الجماعة للنظام الملكي لم يسمح له بتثمين جهود البناء والإعمار في الأقاليم المسترجعة، بل وصفها "كصب الماء في الرمل" لا طائل منها إلا تفقير الشعب واستنزاف موارده: "امتصت رمال الصحراء ملايير الدولارات التي أنفقت في تشييد مدن حديثة جديدة، وازداد فقر المغرب، وتضاعفت ديونه". وغاية مرشد الجماعة هي تأجيج غضب الشعب ضد النظام وإذكاء مشاعر الرفض ونوازع التمرد ليسهل استغلاله وقودا "للقومة". ولم يزد التحريض الشعبَ إلا تشبثا بالملكية.

تبخيس فرحة الشعب.

في غمرة الفرحة التي ملأت قلوب المغاربة وأخرجتهم مبتهجين إلى الشوارع، جاء بيان الجماعة واصفا هذه اللحظة الموحِّدة لقلوب المغاربة بـ"البهرجة التافهة" في تحقير خسيس لمشاعرهم الوطنية، بينما تهلل الجماعة وتفاخر بخروج المظاهرات في شوارع المدن "ابتهاجا" بوقف الحرب على غزة و"تهليلا" لانتصار المقاومة. هكذا تستكثر الجماعة على المواطنين التعبير عن مشاعرهم الوطنية بينما تستبشر بهتافات النصر المزيف لحماس، وتمجد النصر هناك فيما تبخّسه هنا، مما يعبر عن استهجان عدلاوة مشاعر الانتماء للوطن وتبجيل، في المقابل، الانتماء للأمة الهلامية؛ وتلك هي عقيدة تنظيمات الإسلام السياسي التي تنعت الوطن بالوثن.  رأيناهم يُغيِّبون العلَم الوطني في مظاهراتهم بينما يتنافسون على رفع الأعلام والرموز الفلسطينية؛ فهم بهذه الممارسات يعملون على طمس الهوية الوطنية لفائدة هويات مستنسَخة. لكن رفع الأعلام الوطنية وترديد النشيد الوطني في كل المدن والقرى احتفاء بالقرار الأممي وإحياء للذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء كان الجواب الكافي والشافي لجميع الخوانجية وأذنابهم من العدميين والمتمركسين.

تخبّط عدلاوة وتناقضات بيانهم.

جاء بيان الجماعة حابلا بالتناقضات وخاليا من الانسجام الداخلي. فمن جهة، يقر بـ "إن قرار مجلس الأمن الدولي الأخير رقم 2797 (2025).. يمثل خطوة مهمة نحو حل معقول لهذه القضية التي طالت كثيرا واستنزفت المغرب، شعبا ودولة"، ويدعو إلى "أن تتكاثف جهودهم لاستثمار هذه الخطوة المهمة"، ويشدد على أهمية "استثمار المنجزات"؛ ومن أخرى، يتهم النظام باعتماد "المقاربة الانفرادية التي طبعت تدبير ملف الصحراء" و"توظيف قضية الصحراء كورقة للتغطية على الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية الحادة التي يعيشها المغرب، ويتحمل النظام المخزني مسؤوليتها وتبعاتها"؛ علما أن جلالة الملك، دعا في مناسبات عديدة، الأحزاب وهيئات المجتمع المدني إلى الاضطلاع بمهام الدبلوماسية الموازية لتعزيز جهود الدبلوماسية الرسيمة في الدفاع عن قضية الوحدة الترابية. والجماعة غير معنية إطلاقا، بقضية الصحراء أو بطريقة إدارة ملفها مادامت تقاطع النظام وتناصبه العداء وتراهن على خسارة المغرب لقضيته الوطنية لتكون شرارة ثورة ضد النظام. فخابت أوهام الجماعة وخسرت رهاناتها.

خلاصة القول، إن غاية بيان الجماعة هي مُنَاكدة المغاربة في فرحتهم والتنغيص على نشوتهم بالنصر. إذ كيف للجماعة أن تبخس المواطنين فرحتهم، وفي نفس الوقت تدعو إلى استثمار قرار مجلس الأمن كـ "لحظة فارقة تتطلب موقفا وطنيا متوازنا يتعالى على المصالح الضيقة"؟ بل كيف للجماعة أن تعتبر "أن مقترح الحكم الذاتي.. يمكن فعلا أن يكون فرصة لتنمية الأقاليم الجنوبية"، بينما أدبياتها تنتقد كيف "امتصت رمال الصحراء ملايير الدولارات التي أنفقت في تشييد مدن حديثة جديدة"؟ إن من يقاطع النظام ويعتبر المشاركة في مؤسسات الدولة الدستورية "تمديدا في عمر النظام" و"ترميما في صدع بنيانه"، ويعتبر الدمقراطية كفرا والخلافة دينا، لا يحق له انتقاد طريقة تدبير ملف الصحراء ولا تثمين أهمية قرار مجلس الأمن.

لا غرو، أن الجماعة اضطرت إلى صياغة وإصدار هذا البيان على عجل بعد الانتقادات الحادة والواسعة التي وُجهت لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. لهذا حاولت استغلال الحدث التاريخي، لتنكّد على المغاربة فرحتهم التي وصفتها بـ"البهرجة التافهة"، ولتطنز عليهم، في نفس الوقت، بأنه "لا يمكن الحديث عن سيادة وطنية حقيقية على الأقاليم الجنوبية دون سيادة شعبية فعلية على القرار السياسي"، وهي التي تؤمن بمنهاج مرشدها الذي قرر فيه مسألة القيادة والقرار (محسومة في قوله تعالى: ((فإذا عزمت)). أليس الشيخ من انتقد المطالبين بالالتزام بالشورى؟ (من الإسلاميين من يتصور أن على الأمير أن يشاور ولا يتعدى الشورى " قيد أنملة"، معنى هذا الشلل التام العام.. ومن حق الإسلام علينا أن نستفيد من قوة القيادة لا أن نوهنها)( 563 العدل). فمن يعادي النظام ويرفض تشريعاته ودساتيره؛ ومن يتهمه بالانفراد بملف الصحراء، ومن يهمّش القضايا الوطنية المصيرية لا يحق له استغلال مكاسب النظام وأفراح الشعب لتصفية الحساب. 

 

 

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك