عن كتاب محمد لشكر مرابو «عبد الكريم من منفى إلى منفى»، الجزء الأول: جزيرة لاريونيون

عن كتاب محمد لشكر مرابو «عبد الكريم من منفى إلى منفى»، الجزء الأول: جزيرة لاريونيون
مقالات رأي / الأربعاء 17 سبتمبر 2025 - 17:10 / لا توجد تعليقات: تهنئة بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة

بقلم : عبدالحق الريكي

كان هناك زمن، في أواخر سبعينيات القرن الماضي، حيث كنت أستطيع أن ألتهم كتاباً من 500 صفحة في ليلة واحدة، أحفظ كل تفاصيله عن ظهر قلب. أما اليوم، في سنة 2025، فأجد صعوبة في قراءة ثلاث صفحات في اليوم. غير أن تشخيص مرض الألزهايمر الذي تلقيته قبل سبعة أشهر لم يمسّ ذاكرتي. فهي ما تزال تحتفظ بالجوهر، وتُبقي حيّة الحكايات التي تعني لي الكثير.

في الأيام الأخيرة، انغمست في قراءة عمل متميز: «عبد الكريم من منفى إلى منفى» لمحمد لشكر مرابو، وهو الجزء الأول المخصص لمنفى محمد بن عبد الكريم الخطابي في جزيرة لاريونيون. لماذا عبد الكريم؟ لأن اسمه لا يزال يتردد في ذاكرتي وفي ذاكرة الريف، ولأنه يجسد كرامة الرجل الحر الذي لم يقبل قط نفيه عن أرضه.

من خلال هذا الكتاب، اكتشفت زاوية قلما جرى الحديث عنها: دور النساء الريفيات في هذه القصة، وخاصة والدة عبد الكريم، وأخوه محمد، الملقبة بـ«فُطُوش»، الذي يتضح من بين السطور رفضها للنفي وللاستسلام. أرى في ذلك إشارة قوية: ففي ظل التاريخ الكبير، كانت النساء في الغالب هنّ من أبقين شعلة المقاومة متقدة.

في الصفحة 66، يذكّر الكاتب بأن الإسبان كانوا يريدون موت عبد الكريم. لكن السلطان المغربي نفسه هو من طالب بإبعاده «إلى أبعد نقطة عن المملكة». تذكير مرير للأجيال الجديدة: هزيمة عبد الكريم حُسمت في باريس يوم 14 يوليوز 1926، تحت قوس النصر، من خلال اتفاق بين الرئيس الفرنسي دوميرغ، وبريمو دي ريفيرا الإسباني، وسلطان المغرب. عدوهم المشترك، الذي كان شديد الكاريزما، حُكم عليه بالنفي البعيد.

كان عبد الكريم يأمل أن يأخذ معه 200 من رفاقه. لكن لم يُسمح سوى لـ28 بمرافقته: أسرته القريبة، وبعض الخدم. أما الباقون فقد تفرّقوا عبر المغرب. وكما يذكر محمد الرايس في كتابه «شهادات في عهد الزعيم محمد بن عبد الكريم الخطابي»: فقد نُفي عبد الكريم بن الحاج سي زيان وأخوه إلى فاس؛ ومحمد أزرقان ومحمد بوجيبار إلى الجديدة؛ ومحمدي لحاتمي والفقيه بولحية إلى آسفي؛ وحدو لكحل إلى الصويرة.

 لكن ماذا عن الآخرين؟ أين اختفوا؟ سؤال ما يزال معلقاً.

لم أقرأ حتى الآن سوى الصفحات الـ113 الأولى من هذا الجزء، لكنها تكفي لتغذية التأمل. فهذا الكتاب يذكّرنا أن عبد الكريم لم يكن قائداً عسكرياً فحسب، بل رمزاً كونياً للنضال ضد الهمجية الاستعمارية، وهي ذاكرة ما تزال تُلزمنا اليوم.

وبينما أواصل هذه القراءة، أُعِدُّ مقالتين أخريين: إحداهما تكريماً لسي أحمد الزفزافي، الذي رحل مؤخراً، والأخرى حول أوجه التشابه بين الفوضى التي تعصف بفرنسا وتلك التي تهز المغرب.

كما هو الحال مع عبد الكريم، ستظل القضية دائماً واحدة: الكتابة كي لا ننسى.

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك