عاشوراء بين قداسة المناسبة وابتذال السلوك

عاشوراء بين قداسة المناسبة وابتذال السلوك
مقالات رأي / الاثنين 07 يوليو 2025 - 16:00 / لا توجد تعليقات:

بقلم : عبدالرزاق بوغنبو

ما وقع بالأمس من مشاهد مؤسفة خلال احتفالات ما يُسمّى بـ"عاشوراء" في عدد من المدن والأحياء المغربية، ليس مجرد انفلات عابر أو رد فعل عفوي من أطفال ومراهقين، بل هو انعكاس صريح لاختلالات مركّبة في علاقتنا بالمناسبات الدينية، وتعبير فاضح عن أزمة القيم التي تنهش البنية المجتمعية من الداخل.

لقد تحولت ذكرى عاشوراء، التي لها مكانة رمزية ودينية في التاريخ الإسلامي، (حسب الفرق والمذاهب الإسلامية) من فرصة للعبادة والتأمل في معاني الصبر والعدل والتضحية، إلى موسم للفوضى والممارسات العبثية التي تصل في بعض الحالات إلى مستوى الإجرام: إشعال الإطارات، استعمال المفرقعات الخطيرة، ترويع الناس، تبادل العنف، وخروج جماعي عن النظام العام.

فأين نحن من المعاني السامية لعاشوراء؟ وكيف تُفرغ المناسبة من محتواها لتصبح مرادفاً للفوضى والعنف بدل الخشوع والدعاء؟

تشخيص الظاهرة: بين الديني والاجتماعي

1.   الانفصال عن المعنى الديني
في غياب تأطير ديني حقيقي، باتت الكثير من المناسبات الدينية مجرد طقوس موروثة فاقدة للجوهر. معظم الأطفال والمراهقين اليوم لا يعرفون شيئاً عن صيام عاشوراء، ولا عن كربلاء، ولا عن نجاة موسى عليه السلام من فرعون، بل يعرفون فقط أن عاشوراء تعني "الشعالة" و"المفرقعات" و"الرعب الليلي".

2.   فشل مؤسسات التنشئة
الأسرة، المدرسة، المسجد، الإعلام، كلها باتت عاجزة أو غائبة عن تأطير الأجيال. كثير من الآباء يشجعون ضمنياً أبناءهم على هذه السلوكيات، ويعتبرونها "عادات مغربية بريئة"، بينما تغيب المدرسة عن دورها التربوي، ويكتفي الإعلام إما بالتجاهل أو بالتغطيات السطحية.

3.   تساهل السلطات
رغم أن المفرقعات تشكل تهديداً حقيقياً للسلامة العامة، وتُمنع قانونياً، فإنها تُتداول علناً قبل عاشوراء بأسابيع، ما يدل على تساهل في المراقبة والزجر، أو على تواطؤ ضمني في بعض الأحيان.

النتائج الخطيرة لهذه السلوكيات

·  تطبيع الأطفال مع العنف والفوضى.

·  خلق مناخ من التوتر والرعب في الأحياء.

·  إضعاف الشعور بالانتماء الديني الحقيقي.

·  تحميل الدولة أعباء أمنية إضافية غير مبررة.

مقترحات عملية لمعالجة الظاهرة

1.   إعادة تأطير المناسبات الدينية
ينبغي على المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف إطلاق حملات توعوية قبيل عاشوراء، عبر خطب الجمعة، ووسائل الإعلام، ومواقع التواصل، لإبراز البعد الحقيقي لعاشوراء كقيمة روحية وتاريخية، وليس كطقس شعبي فارغ.

2.   برامج مدرسية موازية
تضمين "مناسباتنا الدينية" كمادة أو نشاط سنوي داخل المؤسسات التعليمية، يعرّف الأطفال بمعانيها، ويعيد ربطهم بها بشكل عقلاني وإنساني.

3.   حملات توعية مجتمعية
يمكن إشراك جمعيات المجتمع المدني، خصوصاً في الأحياء الشعبية، في تنظيم أمسيات توعية ومسابقات تربوية فنية حول عاشوراء، مع بدائل ترفيهية مشروعة.

4.   تشديد الرقابة على تجارة المفرقعات
المطلوب ليس فقط منع دخول المفرقعات من الخارج، بل ضبط الأسواق المحلية، ومعاقبة من يروجها، سواء كانوا باعة متجولين أو تجاراً معروفين.

5.   تحفيز المساجد والمراكز الثقافية
من خلال دعم مبادرات توعوية لفائدة الأطفال واليافعين حول السلوك الحضاري في الأعياد والمناسبات، وربط الدين بالحياة اليومية، بعيداً عن التعصب والطقوسية.

6.   ترسيخ التربية على المواطنة والقيم
بإدماج مقاربات حديثة في المناهج التربوية، تركز على المسؤولية الفردية والجماعية، احترام الفضاء العام، وتعزيز الوعي بالعيش المشترك.

7.   خلاصة: مراجعة جماعية مطلوبة

الظواهر السلوكية المشينة التي تتكرر كل عام في عاشوراء ليست قدراً محتوماً، بل نتيجة لتراكم من التقاعس والتساهل والتواطؤ أحياناً. وهي فرصة سانحة لمراجعة الذات، فرداً ومؤسسات، في علاقتنا بالدين والمجتمع.

الدين لا يُختزل في الاحتفال، ولا في الطقس، بل هو وعي وسلوك ومسؤولية. وإذا كانت عاشوراء قد أصبحت مرآة تعكس وجهاً مشوهاً لمجتمعنا، فعلينا أن نعيد صياغة هذه الصورة بأنفسنا، وبجرأة، وصدق، وعمل.

 

 

 

 

لا توجد تعليقات:

للأسف، لا توجد تعليقات متاحة على هذا الخبر حاليًا.

أضف تعليقك